HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

الأب إميل أبو مراد الصوت والمدى - بقلم جورج عبيد

2
SEPTEMBER
2019
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

"الله محبّة"

(من رسالة يوحنا الرسول الجامعة)

أيها الحبيب الخوري إميل يا رفيق الدرب والأحلام

قبل ليلة واحدة من رقادك الصاعق، كتبت على صفحتي معقّبًا على مقالي الأخير، وهو بعنوان: "وحدة الموقف أفشلت بدورها هدف الاعتداء الأخير"، "أستاذ جورج كلام من ذهب". لن أتوقّف عند هذه العبارة حتى لا ينجرح تواضعي، وقد عودتني غير مرّة على التعقيب بحبّ وكبر وبنبل قلّ عند كثيرين، وعندما تظهر الصعوبات أمامك، كنت تهاتفني أو تزورني بغية فكفكتها، فيطيب النقاش ويحلو ويعلو.

أيها الحبيب إميل،

لمّا وردني هذا النبأ الصاعق، تساءلت في داخلي ماذا فعلنا لك لتغادرنا وشبابك بعد لم ينطوِ؟ لقد احتشدت فيك كلّ معاني السموّ ضمن بساطة عيش عبّرت أحيانًا كثيرة عن هويّتك وجذوريّتك، لقد رفدتك وادي شحرور بأصالة حقيقيّة، وعملت على تثميرها في علاقاتك مع الناس، وقد أعانتك على الانوجاد في كلّ العناوين والتفاصيل ضمن ثقافتك العالية، وألهمتك على جمع الناس حولك وبنائهم بالكلمة. هذه الأصالة البشريّة التي أدركتها عندك كانت المدماك الأوّل لتكوينك العائليّ والمناطقيّ، وقد صقلت بهذا التكوين الأوّليّ واستطبته في بعض نواحيه واحتفظت ببعض إيجابياته ونبذت الكثير من سلبياته، ذلك أنّك لم تهوَ بالمطلق لغة الجبب والمنطق العشائريّ، الذي غالبًا ما لا يثمر الخير بقدر ما يضمر الأسواء إذا ما رأت العائلة نفسها أعلى من سائر العائلات، فتنبثّ منها الخطايا الكثيرة.

عرفتك يا حبيب، ضمن أب وأمّ وإخوة طيّبين ملتزمين بالكنيسة. في متابعتي لك وللأهل وجدتك الأقرب إلى والدتك ماري. كانت المريميّة متفاعلة في أعماقك بسبب منها، ولم تبارحها في كلّ لحظات الشدّة، لا سيّما خلال رعايتها لوالدك الذي أصيب بفالج صعب جعل مزاجه صعبًا. أدركتك يا إميل رفيق درب، منذ انخراطي في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. كانت وادي شحرور محجّتي ووجدتك مرتّلاً فيها تسابق المرتلين أحيانًا كثيرة على الترنيم وما كان هدفك إبراز صوتك بل إبداء حبّك ليسوع. أتيتني مرّة وأبديت رغبتك لتصير كاهنًا، سألتك يومها لماذا تريد أن تصير كاهنًا هل لأنّ المطران رسم كاهنًا من عائلة أخرى في قريتك، ماذا لك؟ كان جوابك لي حاسمًا، لم أر نفسي سوى كاهن منذ نعومة أظفاري، هناك ما هو أعمق من هذه الدنيا، إنّه يسوع نفسه، وما أودّ هو أن أمنحه حياتي. وفي الواقع لم تسعَ إلى الكهنوت، بل هو ما وجد نفسه فيك، وكان أبوك الروحيّ المثلّث الرحمات الأرشمندريت الياس مرقص، دليلك ومرشدك ومعلّمك، وحين كنّا نبحث عنك كنا نعلم أنك ستكون بكنفه في دير القديس جاورجيوس دير الحرف. على ضوء ذلك، سامك الحبيب المطران جورج خضر شمّاسًا إنجيليًّا وبعد فترة كاهنًا وشاركتك المناسبتين وكان فرحنا بك عظيمًا.

حين انتدبك المطران جورج لرعاية اهلنا في المنصف وشيخان، ومها قريتان من بلاد جبيل، قمت بزيارتي وقلت لي لقد طلب مني سيدنا جورج بالتوجّه إلى شيخان وجبيل ما رأيك، كان جوابي قاطعًا: يا صديقي المكان الذي سترعاه يحتاج ليسوع، ويسوع يحتاج إليه. قرنة الروم عمومًا في جبيل بما فيها المنصف وشيخان تناسبك لأنّها مليئة بالمثقفين والشعراء والعلماء والكتّاب والمفكّرين، وهي مدى للتنوّع الفكريّ والسياسيّ المتّسع، لكن ما يحتاجون إليه، هو يسوع المسيح. إذهب إليهم، ووزعه عليهم خبزًا وكلمة ليحيوا به ويذوقوا بهاءه، إجعلهم يفهمون أنّ لا ثقافة ولا فكرًا ولا علمًا يفوق هذا المعلّم الإلهيّ الذي فيه احتشد الفكر، بل "فكرة الفكر" و"علّة العلل"، وهو "راقد في ليل الثقافات والأديان". ذهبت إلى هناك، وبنيت رعيتين انتصب فيها الرب بكل جماله وجلاله، فمنعت الذئاب الخطفة من التواجد والانسياب، وبنيت صداقات مع كلّ الناس، وكنت تدأب على زياراتهم وتفقدهم، وهم أحبّوا فيك ثقافتك الغنية وبساطتك القرويّة. هذا يا إميل أعانك لتجدّد كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس في المنصف، وتبني صالة ضخمة على غاية في الأناقة والجمال، وكنت تسعى في الوقت عينه على إعادة الإشعاع إلى الأديرة المهملة ما بين المنصف وشيخان، لا سيّما دير القديس سمعان العموديّ، ودير القديس ديمتريوس. كنت ترى في تلك المنطقة مطلاًّ لله العليّ القدير، ومدى أنطاكيًّا يعبّر عن روحيتنا المشرقيّة الحيّة. وأعلنت بالفم الملآن بأنّ الله محبّة، والمحبة تجمع وترفق وتتأنّى ولا تحتدّ ولا تظنّ السوء، وجمعت أهلنا هناك إلى كلمة المحبّة، وجعلتها شعارك هناك.

لم تقارب العمل السياسيّ بصورة مباشرة، فالكهنوت يجمع ولا يفرّق. لكنّك يا صديقي واكبت وتطلعت وقرأت وناقشت، ووجدت غير مرّة بأنّ خلاص لبنان يحقّقه الشرفاء والنزهاء، يحقّقه من لم يلوّث يديه في الدماء. وانطلقت في أحاديثك المعلنة وغير المعلنة باندفاع واضح نحو تيّار لم تنتسب إليه، ورأيت في مؤسّسه واحة للشرف والنزاهة، وقلت معه بالمساحة المشرقيّة الجامعة. كنت، غير مرّة، تعلن وبحدّة تامّة على أنّ لنا فكرًا أنطاكيًّا يحفّزنا لكي نحقّق الوحدة بالعمق الروحيّ، وإنطلاقًا من ذلك، رفضت انعزال لبنان عن سوريا، أو انعزال سوريا عن لبنان، كنت تراهما وبمعزل عن السياسة مطلّين لانبثاث هذا الفكر، من دون صهر وقهر وبتر. المشرقيّة تحيا من هذا الوجه، والتوق أن يحرّر الفكر هذا فلسطين، فنعود يومًا ما إلى القدس لنصلي فينا.

يا صاح، لا أنسى مواكبتك لي في الأفراح والأحزان. لقد دأبت أيها الأب الحبيب على الانوجاد معي ومع زوجتي جومانا وولدي فادي. وكنت تفرح بالجلوس في حضرة والدي الحبيب الأديب إميل عبيد. وقد احتسبته كوالد لك، واحتسبناك كفرد منّا. في مسيرتك الكهنوتيّة منيت بالخيبة والظلم، لأن بعضهم لم ينظر إلى فكرك على أنّه حركة من الحقّ وفي الحقّ. بعضهم رآك مشتهيًا للأسقفيّة، وأنت لم تشته سوى يسوع. بعضهم ظنّك تستكبر، وأنا أعرفك غاية في التواضع، في الشكل والمضمون. كان محبّوك الكثر يتوسلون ترقّيك، وأنت لم تنظر سوى إلى رحمة الله، ولكن اسمح لي بأن استنكر ظلم ذوي القربى في رحيلك ولم أستنكره في حياتك حتّى لا أخدش تواضعك.

يا إميل، هكذا كنت أناديك تودّدًا، وأنت تجيبني يا جاورجيوس. لقد وجدت وجهك مغطّى بالستر، لأنك رضيت منذ الابتداء أن تصير قربانًا للرب كما هو جعل نفسه قربانًا لأجلنا على الصليب. لن يعود وجهك للناس وأنت لم تعره في زمانك للناس بل لله، والآن عاد لله. في كهنوتك كنت تسعى لهذا الكمال الحقّ، أي أن يكون وجهك لله، فيصير نورًا. الآ حقّق الله مشتهاك ومرتجاك في هذه الرحلة المعطّرة بنعمة الروح القدس، كقد كهنت له وبشّرت به وحاولت التماسه في الخدمة، أمّا الآن فها أنت تمثل أمام عرشه الإلهيّ العظيم لتراه كاملاً بنوره العظيم.

سلام عليك فيما أنت تعلو إلى الوجه المبارك. ودعائي أن يشملك الرب برضوانه ويوشّحك بنور قيامته، ويمنحنا التعزيات الكبرى في لحظات الشوق والحنين.

صديقي إميل أنت الصوت والمدى... وإلى اللقاء من التجسّد إلى القيامة.

جورج عبيد ,
MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING
  • online ordering system for restaurants
  • The best online ordering systems for restaurants
  •