A
+A
-أنطوان الأسمر -
لم يبقَ للبنان سوى الغاز منفذا الى بدء مسيرة الخلاص، مع الإعتراف بأنه مسار طويل يتطلب نصف عقد او أكثر. مع ذلك، لا يبدو أن هذا المسار الإنقاذي سالك بالكامل لجملة إعتبارات، تعتقد واشنطن أن السبب الرئيس من بينها موقف حزب الله من مجمل الملف، بدءا من الترسيم البحري.
ما حصل أن لبنان لم يكن قد تقدّم بجواب خطي رسمي على المقترح الذي حمله في زيارته الأخيرة لبيروت (8 شباط 2022) كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي آموس هوكستين في خصوص الترسيم.
كان سبب هذا هذا التباطؤ اللبناني جملة عوامل، قد يكون بعضها القليل مبررا، منها:
أ-الإنشغال بالإنتخابات النيابية، مما حتّم تبريد الملف من دون وضعه جانبا. وفي المعلومات أن ثمة قناة تواصل فاعلة، وإن لم تكن معلنة، مع واشنطن لم تتوقّف، بمشاركة عاصمة عربية على دراية بالملف وتشعباته وتحتل موقعا محوريا ومركزيا في الخريطة الغازية الشرق أوسطية.
ب-مسألة معاودة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة وفق إتفاق الإطار مع الإشارة الى أن لا إجماع على هذا المطلب، فيما هوكستين نفسه يفضّل استكمال ديبلوماسيته المكوكية بين تل أبيب وبيروت. لذا من المتوقّع أن ينطلق أي جواب لبناني على العرض الأميركي من ضرورة استئناف الديبلوماسية المكوكية لا العودة الى الناقورة والاتفاق الإطار.
ج-موقف حزب الله. ولا يخفى في هذا السياق أن مقاربة الحزب في مسألة الترسيم البحري متّصلة بأكثر من عامل محلي وإقليمي – إيراني، كالتفاوض النووي والعقوبات على شخصيات مقرّبة من الحزب. وهذه المقاربة المتذبذبة، صعودا وهبوطا، لم تشكّل عنصرا مساعدا لحسم الملف. ومن غير المعروف ما سيكون عليه موقفه في حال لم يأخذ الجواب اللبناني الرسمي بتحفظاته.
وتعتقد الإدارة الأميركية أن الحزب "ليس مستعجلا الاتفاق، وهو يتعمّد التأخير والعرقلة نصرةً للسياسة على الإقتصاد". وهي تعتبر أنه "يفضّل السيطرة على اقتصاد متهاوٍ بدلاً من إثارة استياء إيران أو الاعتراف بأي اتفاق مع إسرائيل، لأسباب خاصة إيديولوجية ونفعية.
د-ضرورة تبيّن لبنان الرسمي مآل الحراك الإقليمي، بدءا وليس انتهاء بمحادثات فيينا والحوارين السعودي – الإيراني والسعودي – السوري.
ه-أهمية تلمّس الخريطة الغازيّة في المنطقة، مع تقدّم الإستخراج الإسرائيلي وبدء تصدير الغاز بعد 18 شهرا، واحتمال عودة إيران الى السوق العالمية وهو رهن تقدم التفاوض مع الولايات المتحدة.
ما يتوفر راهنا من معطيات، تأسيسا على قناعة رسمية بضرورة توثيق الجواب اللبناني وإعادة تفعيل الوساطة الأميركية المتوقّفة عند ذلك الجواب، أن هذا المسار سيشهد زخما في الأيام القليلة المقبلة. ومن غير المستبعد أن يكون لبنان في الساعات القليلة الفائتة قد أبلغ الإدارة الأميركية، واستطرادا هوكستين، الموقف الرسمي من اقتراحه.
ومن غير المستبعد أن يكون جزء من زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى واشنطن متصلا مباشرة بملف الترسيم. لذا لا بد من إنتظار حصيلة لقاءاته للبناء عليها.
وتبقى الخريطة الغازيّة للمنطقة هي الشأن الأكثر استراتيجية التي يعمل عليها مسؤولون لبنانيون بعيدا من الأضواء.
ولا يخفى أن العواصم المعنية بحثت في إمكان أن يكون لبنان جزءا من تلك الخريطة مع تأكدها من وجود مكامن وافرة، نفطا وغازا. وهذا النقاش الدولي متصل اتصالا شديدا بمسار ربط لبنان غازيا وكهربائيا بمصر والأردن عبر سوريا، الأمر الذي لم يتحقق بعد رغم كل الإجتماعات الرسمية التي حصلت والآمال التي بُنيت على تفسيح أميركي يمنح للكل من مصر والأردن من أجل تنفيذ عقود استجرار الغاز والكهرباء.
ويجزم مسؤول معني أن كل هذا المسار لن يُكتب له النجاح قبل نهاية السنة على الأقل، رابطا إياه بالحصار القائم، وبنتيجة الإنتخابات النيابية التي لم تأت بما كانت تأمله واشنطن.
كما لا يخفى أن كل هذا المسار الذي شجعته واشنطن بداية قبل أن تتباطأ في تعبيده، بات جزءا من آلية حضّ لبنان على الإسراع في إرساء الإتفاق الحدودي البحري مع إسرائيل.