A
+A
-في أول 100 يوم من ولايته الثانية، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلسلة من السياسات التي تهدد بإحداث تغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي، وذلك في إطار شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" والذي قام ترامب بناءً عليه باتخاذ خطوات حاسمة في سبيل تغيير قواعد التجارة الدولية بشكل مفاجئ، عندما فرض رسوماً جمركية على دول عدة، بدءاً من الصين وكندا والمكسيك وصولاً إلى دول أصغر، مما تسبب في اضطراب شديد في الأسواق
أظهرت تلك السياسات تأثيرات فورية على قيمة الدولار وسندات الخزانة الأميركية، في حين أضرّت بثقة المستثمرين في الأصول الأميركية، الأمر الذي انعكس على الاقتصاد العالمي، رغم تأجيل ترامب للرسوم لمدة 90 يوماً.
ترامب يستعد للاحتفال بمئة يوم على عودته إلى البيت الأبيض
أدت هذه التغييرات إلى زيادة التقلبات في الأسواق المالية، حيث سجلت مؤشرات الأسهم الأميركية أداءً مخيباً، ورغم أن السياسات التجارية هذه كانت تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي، إلا أنها أثارت قلقاً متزايداً حول المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة والعالم.
وقد عبر عن ذلك القلق ارتفاع حالة عدم اليقين في الأسواق، مما دفع مؤشر الخوف في بورصة شيكاغو إلى مستويات غير مسبوقة منذ أزمة كورونا.
كما تمتد تداعيات سياسات ترامب على الأسواق الناشئة التي تعاني من الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الرسوم الجمركية، حيث اعتُبرت الرسوم بمثابة "زلزال تجاري" أربك المشهد الاقتصادي العالمي في أول 100 يوم لترامب.
في هذا السياق، يشير تحليل لـ "رويترز" تحت عنوان: (الاقتصاد العالمي في رحلة مليئة بالتقلبات مع ترامب)، إلى أن الرئيس الأميركي لم يضيع وقتاً في تنفيذ أجندته مع بدء ولايته الثانية في البيت الأبيض.
وفي إطار سياساته "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا"، مزّق ترامب القواعد التي حكمت التجارة الدولية، بل والنظام العالمي لعقود.
أثّرت سياساته المربكة في كثير من الأحيان، في فرض الرسوم الجمركية على دولٍ عديدة، بدءاً من أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، مثل كندا والمكسيك والصين، وصولًا إلى جزر جليدية صغيرة لا يسكنها سوى البطاريق.
وكانت النتيجة تقلبات سوقية غير مسبوقة تقريبًا، وتضررت ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية بشكل كبير.
يُلامس مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القوي منطقة سوق هبوطية.
يتراجع الدولار نحو أدنى مستوياته في أربع سنوات.
الأمر الأكثر إثارة للقلق، من منظور استقرار السوق عموماً هو أن سندات الخزانة الأميركية، وهي ركيزة النظام المالي العالمي، تعاني من واحدة من أسوأ عمليات البيع التي شهدتها منذ عقود.
في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى إعادة كتابة قواعد التجارة العالمية والأمن والعلاقات الدولية، برزت مجموعة كاملة من الديناميكيات مع اقتراب الرئيس السابع والأربعين من إكمال 100 يوم في منصبه في 30 أبريل.
يسحب المستثمرون العالميون أموالهم من سوق الأسهم الأميركية بمعدلات غير مسبوقة تقريباً.. كما يبيعون سندات الخزانة الأميركية، التي عانت من أسوأ تراجع لها منذ عقود، مما زاد الضغط على تقييمات الأسهم.
ومع فقدان المستثمرين القدرة على التنبؤ بالخطوة التالية لإدارة ترامب، ارتفعت التقلبات بشكل حاد. وقد قفز مؤشر تقلب بورصة شيكاغو، المعروف باسم "مؤشر الخوف" في وول ستريت، فوق 50 نقطة، وهو أعلى مستوى له منذ جائحة كوفيد-19 قبل خمس سنوات، مما يشير إلى قلق عميق لدى المستثمرين. وتراجع منذ ذلك الحين إلى حوالي 30 نقطة، ولكنه أعلى بكثير من متوسطه طويل الأجل البالغ 17.6 نقطة، وفقًا لبيانات LSEG Datastream .
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أنور القاسم إن:
"الاقتصاد العالمي بأكمله، دون استثناء، تعرض لهزة قوية مؤخراً.. وكانت أسواق المال في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، وحتى البورصات العربية، من أوائل من دفع الثمن."
"نظرة سريعة على توقعات مستقبل الاقتصاد العالمي قد يلخصها بنك الاستثمار العالمي جيه بي مورغان، الذي يرى الآن احتمالاً بنسبة 60 بالمئة لدخول الاقتصاد العالمي في ركود بنهاية هذا العام."
"الجميع الآن منقسم حول ما إذا كانت الرسائل المتضاربة الصادرة عن البيت الأبيض تمثل استراتيجية دائمة أم مجرد تكتيك للحصول على تنازلات، مما يزيد من حالة الغموض وعدم اليقين في الأسواق."
"مع عدم وجود أرقام دقيقة حتى الآن للخسائر الكلية منذ فرض الرسوم الجديدة من جانب الولايات المتحدة، إلا أنه يمكن ملاحظة تبخر تريليونات الدولارات من قيمة الأسواق العالمية."
وفي تقييمه لتأثير هذه السياسات، يقول القاسم: "أعتقد بأن الشركات الرأسمالية الكبرى من بين أكبر الخاسرين، إلى جانب شركات صناعة السيارات، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة كانت أول من تأثرت سلباً بتلك السياسات، تليها الصين."
ويشير إلى أن "هذه الرسوم قد تعيد إشعال معدلات التضخم، وتزيد من خطر وقوع ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، كما سترفع التكاليف على العائلة الأميركية العادية بمبالغ قد تصل إلى آلاف الدولارات.. كما أن سياسات إدارة ترامب بدأت تُنفّر الحلفاء في آسيا وتضعف الجهود الاستراتيجية الرامية إلى احتواء الصين."
أما عن الأسواق الناشئة، فيوضح القاسم أن "تفعيل الرسوم الجمركية سيضر بشكل خاص بالأسواق الناشئة، بما في ذلك الهند والأرجنتين ومعظم دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا."
وحول التأثيرات على العالم العربي، يوضح الخبير الاقتصادي أن "معظم الدول العربية ستدفع ثمناً باهظاً نتيجة سياسات ترامب، خاصة في ظل الترابط القوي مع الأسواق الأميركية والعالمية. كما يحذر من أن "أي تباطؤ في الاقتصاد العالمي نتيجة لهذه الرسوم قد يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط، مما يشكل ضغطاً إضافياً على موازنات الدول المنتجة للنفط في المنطقة."
ويضيف: "تراجع الدولار واضطراب الأسواق العالمية سيؤثران حتماً على تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات سواء في الشرق الأوسط أو في الدول النامية والأسواق الناشئة".
تدهور عالمي
عالمياً، أدى التهديد بالرسوم الجمركية، إلى زيادة احتمالات حدوث ركود عالمي، حيث تحاول الشركات والبنوك المركزية اتخاذ قرارات على أساس السياسات الأميركية التي تتغير بوتيرة مذهلة.
يتزايد تشاؤم الاقتصاديين في بنوك استثمارية مثل جي بي مورغان وغولدمان ساكس، بالإضافة إلى وكالات التصنيف الائتماني وغيرها من المنظمات الدولية، ويتوقعون تدهورًا حادًا للاقتصاد العالمي. حتى قبل إعلان الرسوم الجمركية في أبريل، خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي توقعاته للنمو في الولايات المتحدة.
الآن، يضع بنك جي بي مورجان تشيس احتمالات حدوث ركود في الولايات المتحدة والعالم عند 60 بالمئة، ويخشى أن تؤدي الرسوم الجمركية ليس فقط إلى إشعال التضخم في الولايات المتحدة، بل وأيضاً إلى إشعال فتيل تدابير انتقامية من دول أخرى.
يقدر غولدمان ساكس احتمال حدوث ركود، والذي عادة ما يتم تعريفه على أنه ربعين متتاليين من النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 45 بالمئة.
خفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لتجارة السلع العالمية من نمو قوي إلى انخفاض هذا العام، وقالت منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة إن النمو العالمي قد يتباطأ إلى 2.3 بالمئة هذا العام من 2.8 بالمئة في عام 2024.
22 مليار دولار
وبحسب تقرير منشور عبر موقع "الأمم المتحدة" في 19 أبريل الجاري، فقد حذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) من تداعيات الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية.
هذه الرسوم تهدد صادرات عربية غير نفطية إلى السوق الأميركية تُقدّر قيمتها بـ 22 مليار دولار.
من بين الدول التي يُتوقع أن تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة نتيجة لهذه السياسات: البحرين ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس.
بلدان مجلس التعاون الخليجي تواجه ضغوطا اقتصادية إضافية نتيجة التراجع الكبير الأخير في أسعار النفط، ما يفاقم التحديات المالية القائمة.
ويتوقع أن تتكبد الدول العربية متوسطة الدخل، مثل مصر والمغرب والأردن وتونس، أعباء مالية إضافية نتيجة ارتفاع عائدات السندات السيادية، والذي يعكس حالة عدم الاستقرار المالي العالمي الناجم عن السياسات الجمركية الأميركية، وفق اللجنة.
وتشير تقديرات الإسكوا إلى أن هذه الدول قد تضطر إلى دفع فوائد إضافية تُقدَّر بنحو 114 مليون دولار في عام 2025، مما قد يُؤثر بالسلب على الإنفاق الاجتماعي والإنمائي لها.
سياسة "أميركا أولاً"
بدوره، يقول استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه منذ عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي والاقتصادي، اتسمت سياساته بالتركيز على "أميركا أولاً"، مما خلق تقلبات كبيرة على الساحة الاقتصادية العالمية، مستعرضاً كيف أثرت سياسات ترامب على اقتصاد العالم، على النحو التالي:
فرض ترامب تعريفات جمركية على عدد كبير من السلع، خصوصاً مع الصين وأوروبا، مما يؤدى إلى حروب تجارية من شأنها إضعاف حركة التجارة العالمية والتأثير على سلاسل الإمداد.
مواقفه الحادة مع حلفاء وشركاء اقتصاديين تثير عدم يقين واسع، مما يضغط على أسواق الأسهم، ويعزز من تقلبات أسعار النفط والعملات.
وبشأن "أبرز الخاسرين من سياسات ترامب"، يقول إن الصين تظل الهدف الأساسي لحروبه التجارية، مما يهدد بتباطؤ نمو اقتصادها، علاوة على الاتحاد الأوروبي الذي يتأثر من تهديدات الرسوم الجمركية على السيارات والصادرات الأخرى، فضلاً عن تراجع الثقة في التعاون عبر الأطلسي. جنباً إلى جنب وكل من المكسيك وكندا. كما أن الأسواق الناشئة تعاني تحت وطأة تلك التداعيات التي تهدد بزيادة أعباء ديونها الخارجية، وجعلها عرضة لتدفقات رؤوس الأموال الخارجة.