اضحى مبارك وكل عام وانتم بخير .
بمعزل عن حسابات الربح والخسارة التي يحاول البعض ان يتسلى بها عن تشاطر وتذاكي وتشفي وتصفية حسابات واثارة حساسيات وادعاء معرفة , فأن ما حصل بعد صيام 40 يوما عن الحل والمخرج شكل ربحا لفكرة الدولة ومنطق التوافق ومبدأ الفصل بين الخلافات .
عمليا لم يربح احد بالمطلق ولم يخسر احد بالكامل ولم يصب احد بجروح خطيرة استدعت خروجه من المشهد الداخلي ونقله الى غرفة العناية السياسية . الجميع ربح والجميع تنازل لمصلحة التسوية الكبرى التي اثبتت مرة جديدة انها عصية على السقوط وانها جديرة بالحياة والاستمرار رغم هنات وزلات وهفوات .
لم يٌطرح المجلس العدلي ولم يمر لكن ثنائية القرار الدرزي تكرست بغض النظر عن الاحجام والكلام وان المشكلة التي تجند البلد لحلها والحد من تداعياتها كانت مشكلة درزية داخلية وليس مشكلة مسيحية - درزية كما حاول بعض اصحاب الرؤوس المريضة تصويرها .
اثبت اجتماع بعبدا ان ما جمعه التفاهم بين الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري لا تفرقه قبرشمون ولا جو مشحون ولا حفلة جنون . المسارات الثلاثة التي طرحها الرئيس عون سارت ووصلت والرئيس الحريري الذي حيّد مجلس الوزراء عن الالتحام والاقتحام والامساك بالخناق نجح وابعد الكأس المرة عن حكومته . والرئيس بري الذي استعان بمخزون وافر من الحنكة والحكمة اوصل المصالحة الى بعبدا لتدخلها امنة برعاية وعناية الرئيس عون . اما كاسحة الالغام عباس ابراهيم فأظهر مرة جديدة انه يجمع حيث يفرق الاخرون وانه يقرّب حيث يباعدون وانه يبني جسور تواصل وعمارات حوار ويفتح ثغرات عميقة في جدران سوء الفهم .
لكن الابرز والاهم في ما تحقق والذي اثبتته ايام المطهر والمصهر الاخيرة هو ان لبنان يهتز ولا يقع والدولة تتعثر ولا تسقط . صحيح ان الازدهار منتظر لكن الانهيار مستبعد . تصل الامور الى حافة الهاوية وتعود عنها بسحر ساحر وقدرة قادر . تعلّم افرقاء الداخل ان هناك حدودا للعبة وهامشا للمناورة . وتأكد افرقاء الخارج ان لا حدود للتدحرج والتراجع للمنطقة اذا سقط البلد الصغير في الرهان الكبير .
انتهى صيام الازمة وفطر اللبنانيون على دينامية جديدة قد تؤسس للنصف الثاني من عمر العهد حيث لا تهويل ولا تهبيط حيطان ولا سيناريوهات من صنع عقول مريضة ونفوس بغيضة .
كل طرف بات يدرك حجمه وحدود تحركه وهامش معاركه . نظرية المحاور اظهرت عدم جدواها في الداخل والكلام الثقيل الذي يطلقه اصحاب الاوزان الخفيفة عن اسقاط العهد اظهر انه نكتة لا يضحك لها احد . ولأن التفاهم لم يسقط كما امل وعمل وحلم كثيرون فذلك يعني امرا جليا : فرصة جديدة متاحة للتعافي ..