مرة أخرى تثبت الأحداث أن مشكلتنا كشعب تكمن في تحديد الأولويات أولاً، وتحديد أساس المشكلة ثانياً، وطغيان أصوات كثيرة على صوت العقل والمنطق ثالثاً.
فبدل أن تكون الأولوية اليوم لتشكيل حكومة مهمتها معالجة الأزمة الاقتصادية، ها نحن نتلهى يومياً بألف مشكلة جانبية لا علاقة لها بوجع الناس والكارثة المحدقة بهم. وإذا كان صحيح أن استنهاض البلد صعب في ظل خطاب استفزازيّ لبعض الدول العربية؛ فهل يمكن استنهاضه عبر تشييد متاريس داخلية وفتن واتهام مكون لبنانيّ بأنه إرهابي؟ هل يمكن استنهاض البلد من دون تدقيق جنائي واستعادة الأموال المهربة إلى الخارج وإيجاد حل نهائي لأزمة اللاجئين؟ هل يمكن استنهاضه من دون التوقف عن تسييس التحقيقات القضائية لأن التسييس النافر هو مهلكة كل شيء في هذا البلد.
ولنذهب إلى السلاح ونسلم جدلاً بأن هذا هو التوقيت الملائم لطرحه؛ بدل أن نحدد أساس المشكلة ونطالب المجتمع الدوليّ بحلها لتعالَج حكما كلّ المشاكل المتفرعة منها، ها نحن نستولد مشاكل داخلية وجانبية جديدة. وهكذا نواصل الهروب من مواجهة مشاكلنا المتراكمة إلى استيلاد المزيد من المشاكل، كأن ما ينقصنا دائماً كشعب هو المزيد من المشاكل لا الحلول.
وخذوا الكهرباء مثلاً آخر مع تجدد التهديدات بانقطاعها؛ أساس المشكلة في هذا الملف يكمن في عدم بناء معامل الكهرباء، لكن ها هم يذهبون ويجيئون في التصعيد من دون إشارة واضحة إلى أساس المشكلة: من تقدم بألف خطة وخطة منذ زمن الوزير جورج افرام لبناء معامل الكهرباء، ومن منع بألف وسيلة ووسيلة بناء هذه المعامل، ومن كان يتفرج على هذا كله، مقدماً بتفرجه هذا أكبر دعم ممكن للمخربين. أساس المشكلة يكمن في حماسة الكثيرين للتخريب بدل البناء: حماستنا للخطاب التصعيديّ هي دائماً أكبر من حماستنا للخطاب العقلانيّ الهادئ، والمشكلة الكبيرة هنا إذ إن البعض ما زال يعتقد أن لدينا ترف الوقت وهامشاً للحروب الجانبية، فيما الواقع يؤكد أننا نرزح تحت وطأة انهيار ماليّ كامل يمكن أن يستتبعه في أية لحظة انهيار أمنيّ كامل، وهو ما يستوجب أعلى درجات الحيطة وضبط النفس والتركيز على ما يجمع أكثر بكثير مما يفرق.
وفي غياب الدستور القادر..
في غياب المؤسسات القادرة..
في غياب الدولة القادرة..
لا يبقى لنا ملجأ كشعب سوى المعايير الموحدة، بعيداً عن الكيل بمكيالين؛ اليوم هذه هي خشبة الإنقاذ الوحيدة لإيقاف الانهيارات المختلفة. المعايير الموحدة تمنع الاستقواء وتمنع العد وكل ما نسمعه من هنا وهناك. معايير موحدة لتشكيل الحكومة. معايير موحدة للتشكيلات الأمنية والقضائية والإدارية. معايير موحدة للتحقيقات القضائية والاستدعاءات. معايير موحدة في مقاربة كل الملفات. لا يحتاج بلدنا اليوم إلى شيء آكثر من: ... المعايير الموحدة.
في حلقتنا من ضروري نحكي الليلة، نتطرق الى ملف الشباب اللبناني، والى مصيره، ووجهته، ومستقبله في خضم الأزمات.
ماذا تقول أرقام الهجرة
أي بلاد اختارها شباب لبنان وطناً لهم؟
وماذا عن أزمة الانتماء، البطالة والزواج.
كل هذه الأسئلة نجيب عليها مع الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين
ومدير تحرير جريدة النهار الصحافي غسان حجار