أنطوان الأسمر -
توقف العالم، هذا الأسبوع، عن الحراك. كتم أنفاسه في انتظار انتخابات سترسم في السنوات الأربع المقبلة مصير الكثير من الأزمات من أوكرانيا إلى تايوان، وليس انتهاء بالشرق الأوسط اللاهب على وقع الحروب.
سرعان ما وقع التحوّل الكبير بعودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فترته الرئاسية السابقة شهدت الكثير من الواقعات الاستثنائية التي تأثّر بها لبنان وكان له منها نصيب، بدءا من إلغاء الاتفاق النووي وتطبيق سياسة عصر إيران وما تبعه من تضييق مالي على لبنان أُريد منه استهداف حزب الله بالمباشر وتجفيف منابعه، وليس انتهاء بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في سابقة أميركية لم يجرؤ عليها أي رئيس.
لا ريب أن لبنان معني تماما بالانتخابات الأميركية، هذه المرة أكثر من كل المرات السابقة. فالتعويل يزداد على الإدارة الرئاسية العتيدة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، فيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يزداد تشدّدا، ولا يخفي أنه عقد العزم على تنفيذ خطة القضاء على حزب الله عسكريا وتقليص نفوذه سياسيا، هذا في حال لم يسعفه الوقت لتصفية وجوده العسكري والسياسي على حد سواء.
يزداد، إستطرادا، التخوّف من أن يوظف نتنياهو الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة، وهي عادة ما تتّسم باللاوزن، للذهاب بعيدا في الحرب على لبنان، مستهدفا البنى التحتية للدولة، مقوّضا بذلك ما بقي من مقدرات صمود لدى المجتمع المضيف للنازحين. ويتردد هذا التخوف في الدوائر الضيقة لأكثر من مرجعية سياسية وأمنية، ويزيده أن نتنياهو يضع خططه لليوم التالي للحرب، من بينها تلك المتعلقة بحصوله على ضمانات أميركية لحرية التحرك في لبنان متى وجد الأمر ضروريا لوقف تسلح حزب الله وإعادة بناء منظومته العسكرية. ويواجَه هذا المطلب برفض لبناني رسمي، لكنه قد لا يكون كافيا للحؤول دون تحقيق هذا الغرض الإسرائيلي.
هناك مقاربتان لبنانيتان متناقضتان للمرحلة المقبلة، مبنيتان على فرضيات أكثر من الاعتماد على معطى موثوق:
١-ثمة من ينظر إلى الأسابيع الـ10 الفاصلة عن ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٥ تاريخ التسليم والتسلم في واشنطن، باعتبارهما الأكثر خطورة على لبنان. صار نتنياهو في حِلّ من أي رادع، ومستعدا للذهاب بعيدا في حربه على الحزب وصولا إلى إنهاكه حدّ التصفية. وربما يوسّع هذه السياسة نحو البيئة الشيعية وسط تخوّف من اغتيال نوعيّ يطالها لا يخرج عن سياق محاولة ضربها عميقا وإحداث تحوّل غير مسبوق فيها.
٢-وثمة من يعوّل على تحرك فوري لترامب بغية وقف الحرب الإسرائيلية، التزاما بالوعود التي أطلقها. وهو تاليا لن ينتظر حتى تسلّمه مهامه الرئاسية رسميا، بل سيبادر بغية الوصول إلى اتفاق بشروط محددة، يتيح إنسحابا إسرائيليا من الجنوب توازيا مع إخلاء منطقة جنوب الليطاني من أي سلاح خارج الدولة، مع تحديد آلية ثابتة لمراقبة تنفيذ القرار ١٧٠١ على جانبيّ الحدود. ولا يزال يؤمل أن تكون ثنائية الجيش اللبناني واليونيفيل هي الضامن لتنفيذ القرار الدولي من دون أي اضطرار لا لتغيير قواعد الاشتباك ولا لتطعيم القوة الدولية بكتائب من دول جديدة تشكّل موضع شبهة لدى الحزب.
لكن وجهة النظر قد يكون فاتها أن أي توجّه لترامب انطلاقا من التعهد الذي وقّعه للأميركيين من أصل لبناني، لن يكون على حساب إسرائيل. وهو ما بيّنته بوضوح الناطقة باسمه بقولها إن "الرئيس يريد أن تنتهي الحروب في أسرع وقت ممكن، لكنه يريد ذلك بانتصار إسرائيل على نحو حاسم".
وسبق أن نُقل عن ترامب في آب الفائت أن "مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها".
ثمة 3 احتمالات لتحقيق هذه التوسعة: من ناحية الضفة الغربية وقطاع غزة أولا، يليه الأردن الذي يعيش باستمرار هاجس الوطن البديل، فلبنان وجنوبه مهيّأ للاستيطان بعد تدميره وتهجير أهله.
وكان الجيش الإسرائيلي قد شكّل حديثا فرقة عسكرية جديدة عند الحدود مع الأردن، مهمّتها المعلنة "حماية الحدود الشرقية لإسرائيل"، لكن لا يمكن فصل هذا التشكيل عن السعي الإسرائيلي السرمدي إلى تحقيق الترانسفير الكبير من الضفتّين الغربية والشرقية (الأردن).
يأتي أيضا في هذا السياق تقرير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب الذي يعتبر أن بسبب دعم ترامب اتفاقيات أبراهام و"صفقة القرن"، "ثمة احتمال واضح أن تؤيد (الإدارة الجديدة) صيغة ما لحل الدولتين، وربما تشمل ضم منطقة واسعة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) إلى إسرائيل".