مع اقتراب تسلم ترامب لسلطاته الدستورية تتسارع الخطوات التصعيدية من قبل العدو الصهيوني، الذي عاود استهداف العاصمة بيروت بضربات كبيرة وموجعة بحجة استهداف هذا المسؤول أو ذاك مخلفاً ضحايا مدنية كتيرة وأضرار مادية كبيرة. وكأن العدو يريد من جهة الاستفادة من الوقت المعطى له، ومن جهة أخرى من فعالية رخصة القتل التي وفرتها له الإدارة الأميركية والتي بطبيعة الحال لها فترة صلاحية محددة. ومن جهة أخرى يحاول وضع لبنان أمام الحائط، للقبول بالمقترح الأميركي الإسرائيلي، والضغط العسكري محاولاً إحداث أضرار كبيرة بالمدنيين، ومتجاوزاً كل الخطوط الحمر باستهداف القصف للعاصمة بيروت التي استفادت من فترة هدؤ نسبية إبان الانتخابات الأميركية. عدا على أن حكومة العدو تعلم أن الإدارة الجديدة لن تتدخل، وهي تراهن على حسم الميدان لفرض واقع جديد قد "يريح" بين مزدوجين إدارة ترامب ويعفيها من مسؤولية ما حدث أو ما قد يحدث على الأرض، علماً أن الجميع متيقن أنه لا تسقط شعرة من الرؤوس إلا برضى ومباركة أميركية مباشرة أو بالواسطة، وهنا لا بد لنا من التذكير بما حدث بين إيران وإسرائيل من رد ورد على الرد بحيث أن كل شيء كان محسوباً ومطابقاً لما تريده الإدارة الأميركية. فالحرب الدائرة بين لبنان وإسرائيل تخضع بالكامل لرغبة العم سام الذي يدير كل عمليات الهجوم الإسرائيلية، والتي تشكل إسرائيل برمتها الذراع العسكرية لحلف الناتو في المنطقة. وعلى ما يبدو فإن إسرائيل تحاول الاستفادة من كل المعطيات الجيوبوليتيكية لفرض سيطرتها بالكامل ليس على لبنان وفلسطين فحسب بل على الشرق بكامله، وهذا لا يعني بالضرورة احتلالاً عسكرياً بقدر ما هو سيطرة نارية، تتحول بموجبه كل دول المنطقة إلى أدوات بيدها يشكل عامل الخوف أحد أهم العوامل المؤثرة.
محاولة فرض اتفاق أميركي الشكل إسرائيلي المضمون
ومن خلال كل هذه التطورات والمعطيات السياسية يأتي العرض الأميركي لوضع اتفاق لوقف النار حيز التنفيذ، وفي الوقت الذي يرضى به لبنان وحزب الله ضمناً بتنفيذ القرار 1701 وفصل موضوع وقف إطلاق النار في لبنان عن موضوع غزة، يحاول العدو بكل ما أوتي من قوة لإدخال تعديلات على القرار تتضمن شروطاً تعجيزية لا قدرة للبنان على القبول بها، وكأن العدو يحاول عرض اتفاق مرفوض سلفا يشكل إذعاناً واستسلاماً أكثر مما يشكل تفاهماً، ومن المعلوم أن الاتفاق يعني قبول كل الأطراف المتنازعة به وإلا فإنه لا يسمى كذلك. وقد عملت إسرائيل كل ما في وسعها واستعملت كل الأساليب من الضغط العسكري إلى الاغتيال إلى قصف المدنيين وصولاً إلى استهداف العاصمة بيروت، مستخدمة كل الترسانة العسكرية الأميركية التي وُضعت بتصرفها، وحتى أن الأساطيل الأميركية وحاملات الطائرات هي بتصرف جيش الاحتلال، عدا عن سلاح الجو الذي بتنا لا نميز بين الطائرات المدموغة بنجمة داوود عن تلك التي تحمل العلم الأميركي، إذ إن هذه الطائرات تطير على ارتفاعات شاهقة تتجاوز ال 40000 قدم مما يحول دون معرفة هويتها الحقيقية، إذ إنه وإبان حرب العام 1973 كانت الطائرات الأميركية المشاركة بالهجوم على مصر وسوريا تنطلق من حاملات الطائرات بعد وضع نجمة داوود عليها، يومها لم تكن الطائرات تطير على ارتفاعات شاهقة بحيث يصعب تمييزها.
مفاجأة الميدان
لم يكن أحد يتوقع الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له تل أبيب، فالمقاومة التي حُرمت من الدعم السوري وحتى من الإمداد الإيراني، استطاعت بما تملك من سلاح وخبرات من استهداف الكيان الصهيوني في العمق الاستراتيجي، فأحدثت الغارة المفاجئة على تل أبيب من إحداث زلزال كان له وقعه ليس على الحجر إنما على البشر. فعدا عن اعتبار تل أبيب المدينة الرمز للكيان، فإنها تعتبر مع ضواحيها الملاذ الآمن الذي لجأ إليه مئات ألوف الإسرائيليين، للاحتماء من قذائف المقاومة التي طاولت كل مستعمرات الشمال وإصبع الجليل.
هوكشتين في بيروت
تبعاً لتطورات الميدان وبعد ما أشيع عن استبعاد قدومه إلى بيروت، عاد الموفد الأميركي واستعادت المبادرة التي يحملها زخمها، فلبنان الذي بدأ بعض المتعاملين بنعيه ووضعه أمام معادلة إما الاستسلام أو الموت عاد ليشكل الرقم الصعب، الذي لن يقبل إلا بالقرار 1701 طبعاً مع بعض الاليات التنفيذية التي تتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار وليس بحرية حركة العدو. فوقف إطلاق النار قادم وذلك ليس فقط لما فيه مصلحة لبنان إنما أيضاً تحقيقاً لمصلحة كل الأطراف.
حبيب البستاني- كاتب سياسي