خاص - الخبر
في خطوة غير مسبوقة على الصعيد الدولي، كرّمت وزارة الخارجية الأميركية القاضي اللبناني كارل عيراني، ليكون أول قاضٍ يُمنح هذه الجائزة تقديراً لجهوده في محاربة الفساد.
هذا التكريم الفريد جاء بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد، ضمن إطار التزام الولايات المتحدة بدعم الشخصيات البارزة التي تساهم في تعزيز الشفافية والنزاهة على الصعيد العالمي. عيراني كان واحداً من بين 10 شخصيات عالمية كرّمتهم وزارة الخارجية الأميركية، مما يسلط الضوء على دوره الحيوي في ترسيخ العدالة من خلال القضاء اللبناني في وجه تحديات كبيرة.
تحفيز للاستمرار
مصادر مقرّبة من القاضي عيراني أكّدت لجريدة "الخبر" أنّ هذا التكريم يمثل دافعاً كبيراً لعيراني لمواصلة جهوده في محاربة الفساد، وهو يعتبرها جائزة للشعب اللبناني بأكمله الذي ما يزال يعاني من تبعات الحروب والانهيارات الاقتصادية. واعتبرت أن "هذه الجائزة تعني الكثير للقاضي عيراني وتحفزه على الاستمرار في مكافحة الفساد. كما أنها يجب أن تكون محفّزة لكل قاضٍ آخر ليحقق العدالة ويتحرر من أي تبعية سياسية."
وأكدت المصادر أن القاضي عيراني يهدي هذه الجائزة للشعب اللبناني الذي يسعى دائماً للنهوض على الرغم من التحديات الهائلة التي تواجهه.
أهمية الجائزة ودلالاتها
تُعَدّ هذه الجائزة بمثابة اعتراف دولي بمكانة القاضي عيراني كرمز لمكافحة الفساد، في بلد يعاني من مشاكل هيكلية وسياسية معقدة. فهي تأتي في وقت تواجه فيه الدولة اللبنانية تحديات كبيرة تتعلق بالشفافية والمحاسبة، مما يجعل هذا التكريم إشارة قوية إلى أنّ الجهود القضائية المستقلة هي السبيل الوحيد لاستعادة ثقة الشعب والمؤسسات الدولية في النظام القانوني اللبناني.
تتمثل أهمية هذه الجائزة في كونها تعزز دور القضاء اللبناني في إطار مكافحة الفساد، وهو ما يحتاج إليه لبنان في ظل تفشي الفساد في مفاصل الدولة ووجود مقاومة قوية من قبل قوى سياسية تعرقل الإصلاحات. كذلك، تعكس الجائزة مدى التزام القاضي عيراني بترسيخ مبادئ العدالة والمساءلة بغض النظر عن الضغوط السياسية.
قرارات عيراني جسدت المحاسبة
عيراني، القاضي في مجلس شورى الدولة، كان له دور بارز في إصدار قرارات قضائية ترسّخ مبدأ المحاسبة. من أبرز هذه القرارات هو إلزام وزارة المالية بتسليم تقرير "Alvarez" الذي تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على أساسه، وهو التقرير الذي أُطلق عليه اسم "سرقة القرن" بعد كشفه عن تفاصيل هدر مليارات الدولارات من المال العام.
هذه القرارات تعكس شجاعة عيراني في مواجهة الجهات المتورطة في الفساد، وإصراره على تطبيق القوانين التي تعزز الشفافية والمساءلة في الدولة.
صياغة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد
إلى جانب عمله القضائي، كان لعيراني دور أساسي في صياغة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وهو جهد يعود لسنوات طويلة من العمل المتواصل. شارك في إعداد هذه الاستراتيجية من موقعه كقاضٍ في مجلس شورى الدولة، ما يؤكد التزامه ليس فقط بتطبيق القانون، بل أيضاً بإصلاح النظام من الداخل ووضع أطر قانونية تسهم في تحسين فعالية القضاء في مكافحة الفساد.
على الرغم من التكريم الدولي، يواجه القضاء اللبناني تحديات كبيرة تتعلق بالاستقلالية والضغط السياسي. فرغم الجهود الكبيرة التي يبذلها قضاة مثل عيراني، تبقى هناك ضغوط هائلة من قوى سياسية واقتصادية تهدف إلى التأثير على عمل القضاء ومحاولة حرف مسار العدالة عن هدفها الأساسي.
لكن القاضي عيراني، من خلال قراراته ومواقفه، يُثبت أن القضاء المستقل يمكنه أن يكون سلاحاً فعالاً في وجه الفساد، حتى في ظل الظروف الأكثر تعقيداً.
يأتي تكريم كارل عيراني في وقت دقيق بالنسبة للبنان، حيث يمر البلد بمنعطف مصيري يتطلب تعزيز دور القضاء في محاربة الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة. إن جائزة مكافحة الفساد التي منحته إياها وزارة الخارجية الأميركية ليست مجرد تكريم شخصي، بل هي اعتراف عالمي بدور القضاء اللبناني في مكافحة الفساد وتثبيت العدالة.
في النهاية، يظل القاضي عيراني نموذجاً للقاضي المستقل الذي يضع العدالة فوق كل اعتبار، مقدماً بذلك رسالة أمل إلى الشعب اللبناني بأن هناك من يعمل من أجلهم، وأن العدالة، رغم الصعوبات، يمكن أن تسود في نهاية المطاف.