لم يقف التيّار يومًا موقف اللّامبالي أمام الأزمات صغيرة كانت أم كبيرة، ولطالما احتكم في قراراته واعتراضاته إلى القانون.
العدل هو أساس بناء دولة ترعى كلّ أبنائها وحين يختلّ ميزانه تتضعضع أسس الدّولة وتنهار لا محال.
وأعظم ما قام به مؤسّس التيّار الرّئيس ميشال عون حين نادى القضاة يومًا بالتّحرّر من التّرغيب وبالتّقدّم بملفّات الفساد في كلّ الوزارات والمؤسّسات والأحداث الأمنيّة الكبرى والأمنية عارضًا عليهم ضمان الحماية بأن يكون شخصيًّا سقفهم ودرعهم الحامي.
ولكن للأسف لم يتحرّك أحدهم ولم يصله ملفّ فساد واحد.
وتابع التيّار ثقته بالقضاء بالرّغم من ذلك محتكمًا إلى قرارات له عادلة في أيّ ملف وطنيّ شائك.
لذلك حين تمّ تشذيب بعض فروعه عبر التّمديد عكس ما تقتضيه القوانين والعدالة، كان التيّار السّبّاق في الاعتراض والمواجهة.
فقد تمّت عملية إصدار القانون المتعلّق بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم القضاء العدلي بطرق ملتوية ونشره في الجريدة الرّسميّة.
لقد شُرّع هذا القانون عن طريق الغدر إذ من غير الممكن للمجلس النّيابي أن يشرّع إلّا في نطاق تشريع الضّرورة.
فما الّذي يحمله هذا التّشريع في طيّاته؟ ولماذا تمّ التّساهل في تعديل هذا القانون وما الغاية من ذلك؟
فولاية القضاة قد انتهت منذ شهر قبل إصدار التّعديل ممّا يجعله يأتي متأخّرًا ويطرح بذلك أسئلة عديدة.
لِم لَم يتمّ التّحضّر للشّغور الّذي سيحصل من قبل؟ ألا يوجد في الجسم القضائي قضاء أكّفاء يحملون العدل سيفًا يقطعون به الطّريق على الفساد؟ هل الغاية تمرير قوانين ما ذات شبهات لمصالح خاصّة فئويّة مثلًا؟
بناءً على هذا التّطويق للقوانين الّتي من المفترض أن تثبّت العدل تقدّم التيّار كعادته، سابقًا الآخرين بأشواط بالشّهادة للحقّ بطعن بالقانون ٣٢٧/٢٠٢٤ الّذي جدّد لخمسة أعضاء من المجلس الأعلى كما مدّد سنّ التّقاعد لبعض القضاة.
تمرير هذا القانون بالنّسبة للتيّار لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، فمن لحظة التّفكير بتعديله وصولًا إلى نشره نحر في مفهوم العدالة.
فقد تمّ أوّلًا التّصديق عليه بطريقة غير قانونية وهذا ما تغاضى عنه رئيس مجلس النّواب ومعظم النّواب، كما جاء من خارج ضرورة التّشريع وكأنّه تشريع مجاملة ولقضاة انتهت ولايتهم على حساب العديد من الأكفّاء الّذين يستطيعون استثمار العدالة لبناء الدّولة. ولم يكن توقيع عشرة نواب من التيّار إلّا تأكيدًا على كلّ المخالفات الّتي لحقت التّجديد والتّمديد وأهمّها أيضًا مخالفة المادة ١٨ من الدّستور لجهة اختلاف ما نُشر عمّا تمّ التّوقيع عليه.
لذلك لن يسمح التيّار أبدًا بالدّرك الّذي أصاب العدالة في السّنوات الأخيرة، مع شهادته لبعض الأكفّاء في السّلك القضائي، فهو يسعى للحفاظ على مبدأ فصل السّلطات وشموليّة التّشريع لا أحاديّته لأفراد معيّنين كما على المساواة في وضع القوانين وتنفيذها.
فتطبيق القانون ليس غبّ الطّلب، القوانين وضعت لتسيير أمور الدّولة لصالح مواطنيها بدون تمييز إلّا بالحقّ. ولأنّ التيّار والعدل توأمان فقد أقرّ مجلس القضاء الأعلى بأحقيّة ما ورد في الطّعن المقدّم من قبله من حيث عموميّة لا خصوصيّة القوانين واحترام السّلطات.
فهل ينتصر التيّار مرّة جديدة للحقّ؟
هل سينتبه الجميع إلى أنّ دولة غير قائمة على العدل وتطبيق القوانين هي دولة على وشك الانهيار؟
لننتظر ونرى إن مان هناك فعلًا من يريدون بناء دولة حقيقيّة.