رأى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط أن لبنان يتجه إلى مأزق كبير في حال رفضت إسرائيل الانسحاب من الجنوب وفي استمرارها استباحة البشر والحجر، لكن لا مفر من المواجهة السياسية والوقوف صفاً واحداً وراء الجيش والدولة".
وإعتبر أن الأولوية تكمن في الإسراع في تشكيل الحكومة وهذا فوق كل اعتبار.
كلام جنبلاط جاء في حديث في لجريدة "عكاظ"، وإليكم أبرز ما جاء في حديثه:
س: ما سر الانفراج الكبير في لبنان الذي أدى إلى حسم ملفَي رئيسَي الجمهورية والحكومة؟
ج: ليس هناك سر، لكن هناك تغيرات إقليمية ولبنان جزء منها أدت إلى الانفراج إذا صح التعبير، لقد سقط نظام البعث في سوريا في غضون أيام، وكذلك الضربات القاسية التي تلقاها "حزب الله" من إسرائيل، كنا نعيش في حالة ما يسمى توازن الرعب مع إسرائيل لكن هذا التوازن انهار، قد تمتلك مئات الصواريخ لكن إسرائيل تمتلك الآلاف من الصواريخ، بالإضافة إلى المعلومات، فضلاً عن الاختراقات داخل "حزب الله" بدءاً من اختراق أجهزة البيجر إلى اغتيال السيد حسن نصرالله، كل هذه المعطيات بالإضافة إلى نهاية النفوذ الإيراني في لبنان، وكما تعلم إيران حكمت لبنان 24 عاماً منذ تولي بشار الأسد السلطة في سوريا عام 2000. كل هذا أدى إلى انفراجة كبرى.
س: بمعنى أن البيئة التي توفرت بعد الضربات الإسرائيلية على "حزب الله" وهروب النظام السوري هي من أدت إلى الانفراج؟
ج: بكل تأكيد، ونحن كنا من المطالبين بانتخاب الرئيس جوزيف عون رئيساً للبنان، وكان من نتيجة الانفراجات انتخاب رئيس الحكومة نواف سلام الذي يتمتع بمصداقية عالية في لبنان خصوصاً بعد الحكم الذي أصدره في المحكمة الدولية ضد مجرمي الحرب في إسرائيل.
س: رغم هذا الانفراج إلا أن تعطيل التشكيل الحكومي ما زال قائماً؟
ج: هذه مشكلة قائمة في لبنان، ولكن لا بد أن ننبّه السياسيين اللبنانيين إلى هذا الأمر، فإسرائيل تستغل هذا الفراغ الحكومي، وما تزال تدمر القرى في الجنوب، وإذا ما تم التعطيل واستمر فإننا نعود إلى الماضي وكأننا لم نجرِ اختيار رئيس حكومة جديد، وإسرائيل تستغل كل هذه الأشياء في لبنان باعتبار أنه لا توجد حكومة.
س: من بعض جوانب التعطيل الحكومي الجدل حول حقيبة المالية، التي يرى رئيس البرلمان نبيه بري أنها من حق "الثنائي الشيعي"، ويقال إن هذا جزء من اتفاق الطائف؟
ج: هذا ليس صحيحاً إطلاقاً، الاحتفاظ بأي حقيبة وزارية ليس من اتفاق الطائف، إلا إذا كان هذا جرى في الكواليس أن تكون حقيبة المالية لمكون مذهبي معين، لكن الأصل في الموضوع أن تكون الحقائب الوزارية مدورة وتنتقل بين كل المكونات وليس حكراً على مكون ما.. أما وجود مثل هذا في اتفاق الطائف فليس صحيحاً.
س: لكن ثمة ما يقال إن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري هو من أسّس لـ"عرف" أن تكون وزارة المالية بيد المكون الشيعي؟
ج: هذا ليس صحيحاً أو بالأحرى لا أذكر ذلك إطلاقاً، فوزارة المالية كانت متنقلة بين كل المكونات السياسية والمذهبية في لبنان، وظهر لاحقاً في لبنان تصنيفات غريبة عجيبة، مثلاً خرجوا بفكرة وزارات سيادية وغير سيادية، مثلا الدفاع والخارجية والداخلية هي وزارات سيادية حسب التصنيف لبعض السياسيين في لبنان ومنها إدراج وزارة المالية، وهذا ليس من الطائف بشيء، ودعني أقول إن هذا معيب بحق لبنان بأن هناك وزارات من الدرجة الأولى والثانية وأيضاً لبناني من الدرجة الأولى والدرجة الثانية.
س: ما هو موقف وليد جنبلاط من كل هذا الجدل؟
ج: موقفي الإسراع في التشكيل الحكومي؛ لأن هناك أخطاراً محيطة بلبنان.. وأرى حروباً كبيرة في المنطقة، من غزة إلى الضفة إلى جنوب لبنان، لا بد لنا في لبنان أن نكون متماسكين ونتجاوز الفراغ الحكومي.
س: أراك متشائما؟
ج: هذا الواقع الحالي الذي تعيشه المنطقة، انظر إلى الفريق "التوراتي" في إسرائيل فهناك من يطالب باستيطان في جنوب لبنان، وفريق العمل الجديد في الإدارة الأميركية لا يرى وجوداً لفلسطين، والضفة هي للحلم التوراتي.. نحن أمام مشهد مخيف، وهذا ينعكس على لبنان الذي يجب أن يتجنب كل أنواع التعطيل.
س: لبنان كان دائماً يعيش على معادلة "إقليمي" في المنطقة، اليوم على أية معادلة يعيش؟
ج: هناك مشهد جديد وأدوار جديدة في المنطقة، نحن نرى الدور السعودي الإيجابي العائد إلى لبنان بعد 15 سنة، وأيضاً الانفتاح السعودي على سوريا، وهذا أمر مهم وإيجابي في المنطقة وبالدرجة ينعكس على لبنان، وبالتالي لبنان هو مرتبط بهذه التحولات الإقليمية.
س: ما هي قوة وموقع حزب الله اليوم بعد الضربات الإسرائيلية؟
ج: على السياسيين والعسكريين في حزب الله أن يدركوا أن الماضي انتهى وأن عليهم التوجه إلى العمل السياسي وترك العمل العسكري، وكلام رئيس الجمهورية جوزيف عون في خطاب القسم واضحاً وهو يجب أن يكون منهج لبنان، حين قال: "إن الذي بيننا وبين إسرائيل هي الهدنة"، لا نستطيع أن ندخل في حرب معلنة ضد إسرائيل لكن أيضاً لا نستطيع أن ندخل في تسوية وهذا أضمن للداخل اللبناني.
س: القرار 1701 يحمل لبنان مسؤولية الانتشار في الجنوب بدلا من حزب الله، بمعنى أن الدولة أيضا أمام مسؤوليات.. ألا ترى ضرورة ضغط سياسي داخلي لبنان لتطبيق هذا القرار؟
ج: في المرحلة الحالية لا نريد توترات في داخل لبنان بالشكل الذي تقصده لحوار مع حزب الله حول موضوع السلاح، هناك حكومة جديدة ودولة يجب أن يتم كل شيء عبر هذه الحكومة، ونزع السلاح من المليشيات كافة في لبنان، بما في ذلك السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وهذا ما تم عليه في الحوار في العام 2006.
س: إذن، برأيك إلى أين يتجه لبنان؟
ج: لبنان يتجه إلى مأزق كبير في حال رفضت إسرائيل الانسحاب من الجنوب وفي استمرارها استباحة البشر والحجر، لكن لا مفر من المواجهة السياسية والوقوف صفاً واحداً وراء الجيش والدولة، وفي هذا المجال الأولوية تكمن في الإسراع في تشكيل الحكومة وهذا فوق كل اعتبار.
س: هل تعتقد أن حزب الله تغير اليوم؟
ج: أتمنى ذلك بكل صراحة، ولا أريد أن أتدخل في ولاءاته وفي عقيدته وأن يعملوا على إعادة إعمار الجنوب وبعلبك والضاحية والمدن اللبنانية التي دمرتها إسرائيل، وأن يدركوا أن هناك "لبنان" جديداً بعد الزلزال الأخير الذي ضرب البلاد إثر عملية 7 أكتوبر.