الأخبار: في زيارة هي الأولى لزعيم عربي إلى سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وصل أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، أحد أبرز حلفاء «هيئة تحرير الشام»، إلى جانب تركيا، إلى دمشق، حيث أجرى لقاءً مطوّلاً مع رئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، الذي عاد وألقى، مساء أمس، خطاباً حدّد فيه التغييرات التي سيجريها في سوريا خلال هذه الفترة، من دون تحديد مواعيد واضحة.
وأتى ذلك في وقت بدأ فيه وفد عسكري تركي جولة واسعة على ثكنات ومواقع تابعة للجيش السوري المنحل، في إطار المساعي التركية لإعادة هيكلة الجيش.
وأعلن الشرع أنه «سيعمل على تشكيل حكومة شاملة تعبّر عن تنوع سوريا وتتولّى بناء مؤسسات جديدة وقيادة البلاد حتى إجراء انتخابات حرة نزيهة».
وقال إنه سيعلن، استناداً إلى تفويضه بمهام الرئاسة، وقرار حل مجلس الشعب، «عن لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغر يملأ هذا الفراغ في المرحلة الانتقالية»، مضيفاً أنه سيعلن، كذلك، في الأيام القادمة «عن اللجنة التحضرية لمؤتمر الحوار الوطني، والذي سيكون منصة مباشرة للمداولات والمشاورات والاستماع إلى مختلف وجهات النظر حول برنامجنا السياسي القادم».
وتابع أنه بعد إتمام هذه الخطوات «سنعلن عن الإعلان الدستوري ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية». وحدد الأولويات بـ»السلم الأهلي وملاحقة المجرمين داخل وخارج سوريا، عبر عدالة انتقالية، وإتمام وحدة الأراضي وبناء مؤسسات الدولة على الكفاءة والعدل، واقتصاد قوي يعيد إلى سوريا مكانتها، بهدف الوصول إلى بلد يُحكم بالعدل والشورى».
وكان وجّه أمير قطر، الذي صعد، على خطى وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إلى قمة جبل قاسيون، في مظهر احتفالي بالنصر على النظام السوري، تحية إلى الشرع، واصفاً اللقاء معه بـ«الإيجابي»، ولافتاً في منشور على موقع «إكس»، إلى أن بلاده ستعمل مع المجتمع الدولي لتحقيق «كل ما ضحّى لأجله الشعب السوري».
وبدورها، نقلت «وكالة الأنباء القطرية» عن تميم تأكيده «الحاجة الماسّة» إلى تشكيل حكومة تمثّل جميع أطياف الشعب السوري لتوطيد الاستقرار والمضي قدماً في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية والازدهار، قائلاً إن الدوحة «ستواصل وقوفها مع الأشقّاء السوريين لتحقيق أهدافهم التي ناضلوا من أجلها وصولاً إلى دولة تسودها الوحدة والعدالة والحرية، وينعم شعبها بالعيش الكريم».
ومن جهته، أعلن الشرع أن «المرحلة المقبلة ستشهد تعاوناً استراتيجياً بين البلدين في مختلف المجالات»، متابعاً أن سوريا «تتطلع إلى الاستفادة من الخبرات القطرية لتحقيق النهضة المنشودة في سوريا».
وفي مؤتمر صحافي بين وزير الدولة القطري لؤون الخارجية، محمد بن عبد العزيز الخليفي، ووزير الخارجية في الحكومة المؤقتة السورية، أسعد الشيباني، أعلن الأخير أنه ناقش مع الجانب القطري إطاراً شاملاً للتعاون الثنائي لإعادة إعمار سوريا في مختلف القطاعات، متابعاً أن «إعادة بناء سوريا تتعلّق بضمان حق كل السوريين في الداخل والخارج، ومنحِهم فرصة لاستعادة أرضهم وحقوقهم».
ومن جهته، أكّد الوزير القطري أن بلاده «تسعى إلى تطوير العلاقات السورية - القطرية، وستستمر في دعم دمشق بكل المجالات»، معرباً عن استعداد بلاده «لبذل المزيد من الجهد لتطوير العلاقات بين البلدين»، ومعلناً عن خطط لزيادة المساعدات الإنسانية والتنموية، بما في ذلك دعم «مطار دمشق الدولي».
شهدت السويداء اضطراباً كبيراً على خلفية تعرض حافلات قادمة من دمشق لاعتداءات من قبل مجموعات مسلحة
في غضون ذلك، استقبل وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مرهف أبو قصرة، ورئيس هيئة الأركان في وزارة الدفاع الناشئة، اللواء علي النعسان، إلى جانب عدد من الضباط السوريين، وفداً عسكرياً رفيع المستوى من وزارة الدفاع التركية.
وذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) أن الوفد التركي أجرى جولة تفقدية لثكنات الجيش السوري، من دون الإفصاح عن أي معلومات أخرى. وتأتي زيارة الوفد التركي في إطار الزيارات المتواصلة لمسؤولين أتراك لتقييم الأوضاع على الأرض، والاستعداد للمساهمة في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، بما فيها وزارة الدفاع، في ظل السطوة الكبيرة التي باتت تمتلكها أنقرة على سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، علماً أن فيدان كان أعلن قيام بلاده بتوجيه الفصائل الموجودة في شمال البلاد بتسليم أسلحتها والاندماج ضمن هيكلية وزارة الدفاع، وهو الأمر الذي أثمر قبول 18 فصيلاً هذه الخطوة، في الاحتفال الذي تمّ خلاله تنصيب الشرع رئيساً مؤقتاً.
وفي ردود الفعل العربية على تنصيب الشرع رئيساً مؤقتاً، أفادت الرياض بإرسال برقية مشتركة باسم الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد، الأمر الذي يمثّل قبولاً سعودياً بهذه الخطوة، التي جاءت بعد زيارتين أجراهما الشيباني إلى الرياض، وزيارة لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان إلى دمشق. وفيما جاءت الخطوة نفسها بعد يوم واحد فقط من زيارة أجراها وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق، بحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره السعودي، أمس، تطورات الأوضاع في سوريا، خلال اتصال هاتفي جمعهما، بحسب بيان عن وزارة الخارجية الروسية.
وفي هذا الوقت، واصل «مجلس الأمن الدولي» مناقشة الملف السوري والقرار 2254 الذي يرسم ملامح الحل، وبعض بنوده الإشكالية التي تطالب الإدارة السورية الجديدة بتعديلها بما يتوافق مع الواقع الجديد. إذ عقد، أمس، جلسة مغلقة بناءً على طلب من الجزائر التي تترأس المجلس حالياً، قدّم خلالها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي يقيم حالياً في دمشق، إحاطة عبر تقنية الفيديو لأبرز المستجدات في الساحة السورية.
وفي ظلّ المساعي الفرنسية لضمان الإشراف على التحولات السورية، من خلال مؤتمر من المنتظر عقده في باريس في 13 شباط المقبل، كشفت وكالة «رويترز» عن وثيقة تم إرسالها إلى المدعوين للمشاركة في المؤتمر، تؤكد حضور الشيباني في الاجتماع بهدف «تنسيق التحرك الإقليمي والدولي لدعم المرحلة الانتقالية في بلاده».
كما كشفت «رويترز»، نقلاً عن الوثيقة، أن وزراء خارجية دول المنطقة، بمن في ذلك السعودية وتركيا ولبنان، سيحضرون المؤتمر إلى جانب شركاء غربيين، بمن فيهم واشنطن، لافتة إلى أن الاجتماع يهدف إلى «تنسيق الجهود لتحقيق انتقال سلمي يضمن سيادة البلاد وأمنها»، كما يرمي إلى «حشد جهود دول الجوار والشركاء الرئيسيين لسوريا لتنسيق المساعدات والدعم الاقتصادي ومناقشة العدالة الانتقالية ومكافحة الإفلات من العقاب».
أما على الصعيد الداخلي، فشهدت السويداء اضطراباً كبيراً على خلفية تعرض حافلات قادمة من دمشق لاعتداءات من قبل مجموعات مسلحة، لم يتم الكشف عن مرجعيتها، الأمر الذي تسبّب بقطع طريق دمشق – السويداء، في وقت ذكرت فيه مصادر محلية أن الاعتداءات أدت إلى مقتل شخصين وإصابة عدد من المدنيين تم إسعافهم إلى المستشفى.
وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع إصرار فصائل الجنوب السوري (السويداء ودرعا) على رفض تسليم أسلحتها والاندماج في هيكلة وزارة الدفاع السورية الناشئة قبل تحقيق انتقال سياسي يمثّل جميع السوريين.
كما تأتي بعد اجتماع عقدته فصائل السويداء مع وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تقود «الإدارة الذاتية»، لتنسيق الجهود والخروج بموقف موحّد بينهما.