طوني عيسى -
سيكون اللقاء المنتظر اليوم بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو أشبه بالمقاصَّة، حيث سيشتري كل طرف ويبيع. فالضيف الإسرائيلي المتحمس أكثر من اللزوم سيعود من واشنطن بدعم واضح، في مسائل عدة. فيما سيفرمل ترامب هذه الاندفاعة عند حدود المصالح الأميركية ورؤية واشنطن لمستقبل الشرق الأوسط.
هناك 3 تعهدات أساسية ينتظرها نتنياهو من ترامب. وهو يعتقد أنّ تحقيقها سيكون سهلاً لأنّ مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل تتقاطع، أو على الأقل لا تتضارب. ولبنان معني مباشرة بهذه التعهدات الثلاثة، وهي:
1- استكمال إسرائيل لمشروعها التوسعي، أي تصفية القضية الفلسطينية وإرساء يهودية الدولة. وسبق لترامب أن اعترف لإسرائيل بالقدس عاصمة لها وضمّ الجولان. وهو أطلق وعوداً في حملته الانتخابية الأخيرة بـ»توسيع» مساحة إسرائيل «لأنّها ضيّقة». ويتوقع الإسرائيليون منه أن يوافق على ضمّ الضفة الغربية أيضاً. وهذه النظرة ستتحكّم برؤية نتنياهو للحل الذي يتمّ تحضيره لغزة وللملف الفلسطيني عموماً.
يعني ذلك تنفيذ مشروع «الترانسفير» من غزة إلى مصر خصوصاً، ومن الضفة إلى الأردن خصوصاً، ما يترجم مقولة بن غوريون «إنّ الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين». وفي الموازاة، يتمّ توطين فلسطينيي الشتات حيث هم أو في بلدان جديدة.
وما يعني لبنان هنا هو توطين الفلسطينيين الموجودين على أرضه، الذين جرت إضاعة أعدادهم الحقيقية قصداً لـ«تبليع» اللبنانيين فكرة التوطين. لكن هؤلاء يزيدون عن 250 ألف نسمة بالتأكيد، علماً أنّ كثيراً من الفلسطينيين حصلوا سابقاً على الجنسية. وليس واضحاً إذا كانت خطوات التهجير نحو الأردن ستسمح لأعداد جديدة منهم بعبور سوريا إلى لبنان.
2- إزالة التهديد الإيراني لإسرائيل، أي إنهاء نفوذ طهران الإقليمي وضرب أذرعها وتعطيل سيطرتها على القرار في الدول المحاذية لإسرائيل، وضمان اقتصار برنامج إيران النووي على المجالات المدنية.
وما يعني لبنان هنا هو أنّ إسرائيل تريد من الولايات المتحدة أن تدعمها لإنهاء أي نفوذ لـ«حزب الله» لا في المنطقة الحدودية الجنوبية فحسب، بل في لبنان كله وفي داخل السلطة المركزية. وهذا ما عبّر عنه قرار وقف النار الذي تمّ التوصل إليه، والذي ما زال قيد الاختبار الصعب منذ شهرين ونصف الشهر. ومن الواضح أنّ واشنطن تؤيّد طلب إسرائيل، لكنها تريد من الجانبين اللبناني والإسرائيلي التزام الاتفاق، لتنتهي المرحلة العسكرية بينهما وتنطلق المرحلة السياسية التي توليها واشنطن أهمية أساسية.
3- استئناف مشاريع السلام والتطبيع وفتح الأسواق عبر الحدود في الشرق الأوسط، أي مشاريع السلام الإبراهيمية التي شهدت زخماً في ولاية ترامب السابقة. وعلى الأرجح، يريد ترامب دفع لبنان نحو هذا المسار بعد أن تصمت المدافع تماماً ويلتزم الجميع كل مندرجات اتفاق وقف النار، وتنشأ في لبنان حكومة لا نفوذ فيها لطهران.
لكن الأساس هو انطلاق المشروع الذي طرحته السعودية في قمة بيروت العربية، العام 2002، أي مشروع السلام القائم على «الأرض مقابل السلام»، وموافقة إسرائيل على حل الدولتين. وسيكون الجهد الأميركي في المرحلة المقبلة منصّباً على خلق المعادلة التي تبدو اليوم مستحيلة إسرائيلياً: حق الفلسطينيين في إنشاء دولة من جهة، ومشروع التهجير والتوسع من جهة مقابلة. وثمة من يعتقد أنّ الأميركيين يراهنون على تعاون الجانبين المصري والأردني في هذه المسألة. لكن انطلاق المسارات الإبراهيمية عموماً سيتأخّر لأنّ الظروف لم تنضج بعد. وسينتظر لبنان اكتمال انضمام العرب إليها، ولا سيما منهم الخليجيين ونظام الحكم الجديد في سوريا.
على الأرجح، ستشهد قمة واشنطن مقايضات في الملفات الثلاثة: سيحصل نتنياهو على ما يريده فلسطينياً لكنه مُطالَب بإيجاد صيغة لدولة فلسطينية. وسيحصل على دعم لإنهاء نفوذ طهران الإقليمي، لكن ترامب ليس متحمساً لضربها عسكرياً بل لجذبها خارج دائرة النفوذ الصيني. وأما في لبنان، فسيقدّم ترامب لنتنياهو كل التطمينات الأمنية، ولكن سيطالبه بالمغادرة ووقف الأعمال العسكرية.
الأرجح أنّ ترامب سيذكّر نتنياهو بفلسفة القرار 1701 الذي بقي ساري المفعول منذ 2006، وخلاصتها أنّ لبنان يتمتع برعاية دولية، وتحديداً أميركية، وأنّ إسرائيل سبق لها أن نفّذت مئات الضربات العسكرية والاغتيالات، ضدّ أهداف لإيران و»حزب الله»، في داخل الأراضي السورية، لكنها ابداً لم تخرق الخطوط الحمر التي تمّ الاتفاق عليها، والتي تمنع إسرائيل من القيام بأعمال عسكرية في لبنان.
بل إنّ واشنطن، من خلال وسطائها، هي التي ربطت بين الإسرائيليين و«حزب الله» في المفاوضات غير المباشرة التي أدّت إلى ترسيم الحدود بحراً، وهي التي سهّلت ولادة اتفاق وقف النار الأخير، بل إنّها وقّعت مع إسرائيل على ملحق جانبي له. وهي أيضاً ترأس لجنة مراقبته، وتستعد لإرسال وسيطتها الجديدة في وساطة جديدة، خلفاً لعاموس هوكشتاين، عندما تنضج فرص التفاهم.
الإسرائيليون تبلّغوا مراراً أنّ لبنان هو «من حصة الولايات المتحدة». فهي التي ستضمن مستقبله السياسي والأمني والاقتصادي. ورهانها هذا تعبّر عنه ببناء سفارتها التي تتميز بمواصفات استثنائية، والتي ربما يتمّ تدشينها هذا العام، بحضور الرئيس شخصياً.