في مشهد سياسيّ يكاد يكون سينمائيًّا بامتياز، دخلت المبعوثة الأميركية إلى لبنان، وخرجت بعد أن هزّت العصا، ليتمّ تشكيل حكومة تضمّ كلّ الأحزاب تحت شعار "اختصاصيّون غير حزبيّين "، واستثناء التيّار الوطني الحرّ منها. هذا الإقصاء لم يكن عبثيًّا أو وليد صدفة، بل نتيجة مباشرة لسياسة “الضّبط والرّبط” الّتي تفرضها القوى الخارجيّة على الطّبقة السّياسيّة اللّبنانيّة، حيث أنّ المطلوب ليس الكفاءة ولا الالتزام الوطني، بل الولاء المطلق للأجندات الدوليّة.
ليس سرًّا أن كثيرين من المسؤولين في لبنان يمتلكون حسابات مصرفية في الخارج، بعضها متضخّم بأموال منهوبة، وبعضها الآخر مهدّد بالعقوبات أو الملاحقة القانونيّة. هؤلاء ليسوا أحرارًا في قراراتهم، ولكن خاضعين لمن يتحكّم بمفاتيح أموالهم. بكبسة زرّ، يُمكن تجميد أرصدتهم أو ابتزازهم بفضائح ماليّة، فيتحوّلون إلى أدوات طيّعة تردّد: “سمعًا وطاعة”.
هكذا أصبحت السّيادة الوطنيّة في لبنان مرهونة لحسابات في مصارف أجنبيّة، وأصبح القرار السّياسي يُصنع في واشنطن وباريس بدلًا من أن ينبع من حاجات اللّبنانيّين. أمّا التيّار الوطني الحرّ، فكان الوحيد الّذي رفض الدّخول في هذه اللّعبة، فدفع ثمن استقلاليّته بإقصائه عن الحكومة.
تبدو كلّ الأحزاب رابحة، فقد دخلت الحكومة، قبضت حصصها وحصلت على شرعيّة دوليّة، وضمنت استمراريّتها في المشهد السّياسيّ. ربحت مع الخارج وخسرت مع الدّاخل. ربحت من أصحاب النّفوذ الدّولي، وخسرت ثقة شعبها.
في المقابل، خسر التيّار الوطني الحرّ مقعده في الحكومة، لكنّه كسب ما هو أثمن: الحريّة والاستقلاليّة. بقي وحده، لكنّه بقي حرًّا. خسر المشاركة في تركيبة مرهونة، لكنّه ربح نفسه وربح صدقه أمام جمهوره. لم يربط نفسه بمصالح ماليّة أو بمساومات سياسيّة تُفرض عليه من الخارج، بل بقي وفيًّا لخطّه الوطنيّ السّياديّ.
هذا لا يعني بأنّ التيّار بقي خارج اللّعبة إنّما على العكس. قد يكون هذا الموقع فرصة لإعادة التّموضع والانطلاق من جديد. فالمعادلة اليوم باتت واضحة: هناك محور يختار “السّمع والطّاعة”، وهناك من اختار البقاء حرًّا حتّى لو دفع الثّمن غاليًا.
فهل سيدرك اللّبنانيّون الفارق بين من يعمل لخدمة وطنه، ومن يعمل لخدمة حساباته المصرفيّة؟ وهل سيفتح هذا الإقصاء الإجباري أعين الشّعب على حقيقة أنّ المشكلة ليست في من يُستبعد، بل في من يقبل أن يكون أداة؟ الأيام كفيلة بالإجابة.
*سامر الرز