لم يحدث أنْ اختصرَ عمرُ رجل وقائد حكايةَ نضال وطني في سبيل لبنان كما هو عمر ميشال عون.
في كل مسيرته وحياته، كان عنوان واحد يحيط بكل خطواته العسكرية والسياسية، وهو الوطنية اللبنانية، الشاملة، كلَ حواس الوطن، في بلدٍ اعتاد الإنقسام والتفتت.
وعى خطورة استباحة السيادة منذ أن رأيت عيناه جنود الإنتداب السينغاليين، وما إن خرجَ الفرنسيون حتى هزَّ لبنان سقوط الدولة وتراجعها أمام المنظمات الفدائية الفلسطينية منذ العام 1968. لم يكن ميشال عون آنذاك شاهداً مراقباً فحسب بل بادرَ وتحرك للمواجهة في صيدا العام 1973، لا بل أنّه انتقد علناً سلوك السلطة السياسية.
خياره في المواجهة هذا، لازمه طيلة مسيرته العسكرية والسياسية. فمن منع سقوط الكحالة في العام 1976، إلى إسقاط معسكر تل الزعتر، ابتعد ميشال عون عن الصراعات السياسية، ليضع نصب عينيه التحرير من سطوة من ضلَّ طريق فلسطين.
ومن رفض سياسة القوة العسكرية، إلى تثبيت وجود الشرعية والدولة عبر الجيش عند خطوط التماس والمواجهات مع الجيش السوري وجيش التحرير الفلسطيني، وصولاً إلى سوق الغرب في 1983.
لم يهَبْ تهديدَ أساطيل أو دول كبرى عندما افتُقد الحد الأدنى وهو وجود لبنان في حد ذاته. ونضاله العسكري الذي تواصل في العام 1989، اقترن بما كان غائباً عن السلوك السياسي التقليدي. فالسياسة والإستقلال باتا متلازمين مع التفاهم في الداخل، وبناء المساحات المشتركة، حماية للبنان ونسيجه المجتمعي الخاضع دوماً لمحاولات التفجير. بذلك، حمى لبنان طيلة تلك السنوات من خطر الفتنة، وهي الأشد من كل المزايدات وسهولة إشعال الفئات اللبنانية فيما بينها.
والمعركة الأصعب، خاضها ميشال عون وهو في الثمانينات من عمره، ضد المنظومة المتجذرة، سعياً لبناء دولة. لم يخرج فقط من رئاسة الجمهورية بسابقة في تاريخ لبنان مع تجمع مؤيديه، بل ترك وراءه مسماراً في نعش المنظومة بالتدقيق الجنائي، لكي يضع في أيدي الأجيال الآتية حق معرفة السرقات وما حصلَ في مغاور مصرف لبنان والمصارف بتغطية كل أركان المنظومة.
في عيده التسعين، وبعد كل المعارك التي استهدف فيها، يصبح عمر ميشال عون عنواناً للبنان الذي نريد ونتصور. لبنان قائم بكيانه الذاتي، منفتح في الداخل والخارج، لا يشبه إلا نفسه، فريداً بخصائص الحرية والكرامة الوطنية.
• رئيس تحرير tayyar.org