أنطوان الأسمر-
اللبنانيون على موعد، الأسبوع الطالع، مع محطة سياسية بارزة تتمثّل في مثول الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام أمام المجلس النيابي طلبًا للثقة يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين. والحكومة بذلك تخضع إلى امتحانها الأول، وإن لم يكن عسيرا. لكن على الرغم من أن التركيبة الحكومية جاءت متجانسة مع غالبية الكتل، مما يجعل نيلها الثقة أمرا شبه محسوم، فإن جلسات المناقشة ستتحوّل منبرا للمزايدات السياسية والمناكفات بين النواب، الذين سيحرص بعضهم على مهاجمة الحكومة قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى منحها الثقة.
لا ريب أن الحكومة ستنال الثقة بأصوات مضمونة، لكنّ الاختبار الفعلي سيكون في قدرتها على إثبات أنها أكثر من مجرد تسوية سياسية، وأنها قادرة على مواجهة التحديات الإصلاحية الهائلة التي تنتظرها.
في الكواليس، بدأت قوى سياسية استُبعدت من التشكيلة الحكومية محاولات التقرب من أركان السلطة، لاستكشاف إمكان تحصيل مكاسب إنمائية وخدماتية مقابل التصويت للثقة. وتتركز هذه المحاولات على ضمان حصة في سلّة التعيينات والمشاريع التنموية، بما يعكس استمرار نهج التسويات.
بالتوازي، يُنتظر أن تبادر العواصم المؤثرة إلى دعم الحكومة الجديدة عبر توجيه بعض الكتل لمنحها الثقة، فضلاً عن تقديم مساعدات موعودة إلى لبنان في حال أظهرت الحكومة جدية في معالجة الأزمات. في هذا السياق، يُنقل عن أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري أن كتلة التحرير والتنمية التي ستمنح الحكومة الثقة، تعتبر أن نجاحها مرهون بقدرتها على الإسراع في ملف إعادة الإعمار، وهو ملف يشكل اختبارا فعليا لقدرتها على الإنجاز.
أما حزب الله، فموقفه من منح الثقة يبقى رهن التطورات الأخيرة، لا سيما تلك المرتبطة بمنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار بيروت، وهو ملف أثار توترا سياسيا وأمنيا، ولا يزال. لكن قبل أي موقف رسمي، سيكون الحزب مشغولا بتشييع أمينيه العامين، السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، غدا الأحد، في حدث يُرتقب أن يجذب عشرات الآلاف، وسط تقديرات بوصول العدد إلى 200 ألف مشارك.
لن يكون التشييع مجرد مراسم وداع، بل يسعى الحزب إلى تحويله استفتاء على قوته السياسية والشعبية، في مواجهة الاتهامات التي تطاله، والتكهنات حول مستقبل قيادته. تحضيرا لهذا الاختبار، سعى الحزب إلى شد العصب الداخلي، وترسيخ حضوره، وقطع الطريق أمام أي حديث عن تراجع تأثيره أو عزله إقليميًا ودوليًا.
في الموازاة، لا يزال الوضع في الجنوب على خطورته مع انتهاء مهلة 18 شباط، وهي المرحلة الأولى الممددة لاتفاق وقف إطلاق النار. وزاد المخاوفَ الانسحابُ الجزئي للجيش الإسرائيلي مع الاحتفاظ بالتلال الحاكمة الخمس التي تشرف على المستوطنات الشمالية، مبررا ذلك بعدم اكتمال انتشار الجيش اللبناني جنوبًا. هذه النقطة كانت محور التواصل بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ومستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز. ووفق المعلومات الرسمية، فإن عون يكثّف جهوده في التفاوض مع الأميركيين للضغط على إسرائيل من أجل استكمال انسحابها، مع التركيز على ملف الأسرى اللبنانيين الذي يسعى إلى إيجاد حل له في المرحلة المقبلة. ولا يُخفى أن بقاء السيطرة الإسرائيلية على التلال الخمس وآلاف الدونمات من شأنه تعزيز سردية حزب الله المقاومتية ومنحه شرعية إعادة ترميم هيكله العسكري وبنيته التحتية، وهو ما يُقلق واشنطن والعواصم المعنية بالوضع جنوبا.
ويُنتظر أن تكون للإدارة الأميركية مبادرات في اتجاه دعم العهد الجديد مع مواصلة تسليح الجيش. وثمة معطيات عن قرار أميركي وشيك بإعادة تسيير رحلات جوية مباشرة بين بيروت ونيويورك، بعد توقف منذ عام 1985 بسبب الأوضاع الأمنية واستهداف الرعايا الأميركيين آنذاك. وعُلم أن الجهات المعنية في لبنان باشرت التحضيرات اللوجستية والإدارية، بالتوازي مع بدء تنسيق أمني عالي المستوى لبناني – أميركي لإرساء ترتيبات مشتركة في المطار تُشبه إلى حد كبير تلك المتخذة، على سبيل المثال، في مطار زايد الدولي في أبو ظبي الذي يستضيف مكتبا للجمارك وحماية الحدود الأميركية، حيث يمكن للمسافرين إلى الولايات المتحدة إنهاء إجراءات الجمارك قبل مغادرتهم.