ألقت النائبة ندى البستاني كلمة وفد التيار الوطني الحر إلى مؤتمر بودابست، وقد ضم الوفد إلى البستاني نائبة رئيس التيار للشؤون السياسية مارتين نجم كتيلي ومنسق لجنة العلاقات الدبلوماسية بشير حداد.
معالي وزير الخارجية السيد بيتر سيارتو،
سعادة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي،
سيداتي وسادتي،
تحية طيبة،
اسمحوا لي، في البداية، أن أعبر عن امتناني لدولة المجر على دعوتها لنا للمشاركة في هذا اللقاء المهم. لقد جئنا إلى هنا بأمل كبير أن تتمكن المجر من جمع مسيحيي لبنان في بودابست حول مشروع واعد ذو أبعاد وجودية، مشروع يمكنهم بناؤه معًا، وإطلاقه معًا، وحمايته معًا.
كما أوجه شكري لصديقنا العزيز، الوزير بيتر سيارتو، على دعمه المستمر للبنان ولمسيحييه، وعلى التزامه الثابت بقضاياهم، سواء على الساحة المحلية اللبنانية أو في المحافل الدولية. معالي الوزير، أنقل إليكم تحيات الوزير باسيل، الذي يعتز بصداقتك العميقة ويقدر جهودك، متمنيًا النجاح لهذا المؤتمر.
مسيحيو المشرق في مواجهة التحديات
تأتي هذه المبادرة في حقبة يمكن وصفها بأنها عصر الصعوبات والسنوات العصيبة لمسيحيي الشرق. فمنذ مطلع القرن الحادي والعشرين، عانى المشرق من الحروب والاضطرابات والاضطهادات، وكان المسيحيون أبرز من دفع الثمن - ولا يزالون يدفعونه - في البلدان العربية التي عاشوا فيها تاريخيًا. وأدى ذلك إلى تراجع وجودهم في الكيانات السياسية بسبب الهجرة التي قلصت أعدادهم بشكل كبير.
فعلى سبيل المثال، كان عدد المسيحيين العراقيين قبل عام 2000 يقدر بنحو 1.5 مليون من أصل 25 مليون نسمة (6%)، أما اليوم فلم يتبقَ سوى 300 ألف من أصل 40 مليون نسمة (0.7%). كذلك، تجاوز عدد المسيحيين في سوريا 2.5 مليون عام 2010، أما اليوم فقد انخفض إلى نحو 600 ألف (2%)، ولا تزال الهجرة مستمرة. أما المسيحيون الفلسطينيون، فتراجعت نسبتهم من أكثر من 11% عام 1948 إلى أقل من 1% اليوم.
لبنان: معقل المسيحيين في الشرق
لبنان، هذا البلد الصغير الذي ورد اسمه 72 مرة في الكتاب المقدس، هو المعقل الأقوى للمسيحيين في الشرق من حيث نسبة التواجد. ورغم الحروب والانتفاضات والأزمات والاعتداءات التي شهدها منذ استقلاله، لا يزال لبنان منارة يتألق فيها المسيحيون بدورهم الريادي في النهضة الفكرية والثقافية والاقتصادية والعلمية. فهم سبب وجوده، وجوهر هويته الفريدة.
إلا أن المسيحيين اللبنانيين يجدون أنفسهم أمام تساؤلات مصيرية: هل يبقون أم يرحلون؟ هل يستسلمون أم يتمسكون بأرضهم وتاريخهم؟
أنا على يقين بأن الجميع هنا متفقون على أن الحلول لن تكون ممكنة إلا إذا:
1. بقينا موحدين.
2. احترمنا التعددية مع الحفاظ على تميزنا وفرادتنا.
مشروع مشترك للبقاء والصمود
إن التحدي الأكبر اليوم هو بناء مشروع أو برنامج مشترك يحقق الهدف الأسمى: البقاء الأبدي للمسيحيين اللبنانيين في أرضهم. ويمكن تحقيق ذلك عبر دعم ركائز هذا البقاء من خلال صندوق تمويلي تدعمه الدول والمجموعات الحاضرة اليوم، إضافة إلى من سينضم لاحقًا. نحن واثقون بأن إيماننا بهذا الوطن ووجودنا فيه سيمكننا من تجاوز هذه المحنة - كما فعلنا على مدى مئات وآلاف السنين - لننهض منها كطائر الفينيق: أقوياء ومتحدين.
أفكار ومبادرات لدعم المسيحيين اللبنانيين
لقد أعد التيار الوطني الحر مذكرة شاملة موجهة إلى مؤتمركم الموقر، تتضمن مجموعة من الأفكار للنقاش ومعالجة القيم المسيحية الجوهرية التي، إذا ما تعرضت للتهديد، ستؤدي إلى مزيد من الهجرة. وتشمل هذه الأفكار دعم البيئة المسيحية في جميع الأنشطة المجتمعية، مع إعطاء الأولوية القصوى للشباب عبر تمكينهم من متابعة تعليمهم، وتطوير مهاراتهم، وخلق فرص توليد الدخل لهم.
كما تركز المذكرة على قطاعات الصحة والتنمية الاجتماعية، مع التأكيد على أهمية التطور الثقافي والحفاظ على التراث الديني وتعزيزه.
وقد اقترحنا آلية شاملة وشفافة لإدارة هذا الصندوق، من خلال لجنة توجيهية تضم ممثلين عن الدول المانحة، والأحزاب المسيحية، والسلطات الدينية، والمجتمع المدني. وستشرف هذه اللجنة على وحدات متخصصة بإدارة المشاريع في مختلف القطاعات، مع ضمان التدقيق المستقل ووجود مؤشرات أداء رئيسية.
خبرتنا المشتركة مع المجر
لقد علمتنا تجربتنا مع شركائنا المجريين أن الصدق والشفافية والاحترافية هي المفاتيح الأساسية لنجاح أي مشروع.
كما أننا نعتمد على خبرتنا الواسعة مع الانتشار اللبناني، حيث حققنا العديد من الإنجازات، أبرزها:
تنظيم 15 مؤتمرًا للانتشار اللبناني (LDE).
إنشاء قرية الاغتراب.
إقرار العديد من القوانين التي تتيح استعادة الجنسية وحقوق التصويت للبنانيين المنتشرين.
وقد أثمرت شراكتنا عن مشاريع حيوية، أبرزها مشروع ترميم الكنائس، حيث تمكنا من ترميم أكثر من 64 كنيسة بتمويل مجري تجاوز 4 ملايين دولار، ونحن اليوم على مشارف إنجازه بالكامل. ولضمان الشفافية الكاملة، أصررنا على أن تتولى جامعة الروح القدس - الكسليك (USEK) إدارة التمويل، بالتعاون مع جامعة بازماني بيتر الكاثوليكية في بودابست، مستفيدين من خبراتهم المشتركة.
دعوة للوحدة والعمل المشترك
أختم كلمتي بتجديد شكر التيار الوطني الحر لدولة المجر على هذه المبادرة الفريدة، ولكل من احتضنها ودعمها.
لطالما كان حلمنا أن نعقد مثل هذه اللقاءات التوحيدية على أرض لبنان، فلطالما استمددنا قوتنا من وحدتنا.
ندعو جميع المشاركين والجهات المعنية، سواء كانت أحزابًا سياسية أو منظمات مجتمع مدني أو هيئات دينية، إلى تبني مقاربة شاملة لهذا المسعى المهم. فبجهودنا المشتركة ومسؤوليتنا الجماعية، يمكننا أن نحقق نتائج ملموسة تؤثر إيجابيًا على مستقبل المسيحيين اللبنانيين.
أتمنى النجاح لجميع المشاركين في هذا المؤتمر، لما فيه خير المسيحيين بشكل خاص، ولبنان بشكل عام.