مرلين وهبة -
خلال السنوات العشر الماضية، تحوّل لبنان ساحة مفتوحة لعمليات التهريب بأنواعها، وكأنّها قصة بوليسية لا تنتهي. فالحدود اللبنانية- السورية أصبحت مثل سوق سلاح مفتوح. وانتشرت عمليات تهريب الأسلحة عبرها، حيث تُهرَّب الأسلحة لتعزيز مخزونات الجماعات المسلّحة ونشاط العشائر، فيما تُمثّل الحدود الشرقية والشمالية النقاط الرئيسة للتهريب، حيث يستغلّ المهرّبون تضاريس المنطقة لصعوبة الرقابة الأمنية على بعض المعابر.
تبقى عمليات التهريب في لبنان تشكّل تحدّياً كبيراً بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة في سوريا، كذلك التحدّيات المستمرة في لبنان التي تجعل من مكافحة التهريب مسألة معقّدة، لكن مع الإصلاحات الحكومية والتعاون الدولي، هناك أمل في الحدّ من هذه الأنشطة وتحقيق استقرار اقتصادي وأمني في البلاد.
أمّا مواجهة هذه الظاهرة، فستعتمد في المستقبل على مدى قدرة الدولة في تعزيز سيادتها على الحدود وتحسين الإجراءات الأمنية والقانونية بالإضافة إلى التعاون الدولي.
مسؤول كبير
في السياق، كشف مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، أنّ ما يحدث على الحدود بين لبنان وسوريا «لا علاقة له بالقضايا السياسية والاستراتيجية خلافاً لكل التحليلات المتداولة». ويُضيف: «لو أنّ الذي حصل له بُعد سياسي أو طائفي لكان امتدّ إلى المناطق الأخرى واشتعلت النيران فيها»، كاشفاً، بحسب المعطيات الميدانية انّ «الإشتباكات تقف خلفها قضايا تهريب، والمهرّبون هم من العشائر ومن الطرفَين، وما زالوا أنفسهم يقبعون هناك، وقد وقع خلاف كبير في ما بينهم وثأر متبادل يكبر يوماً بعد يوم، وهؤلاء لا يستطيع أحد ضبطهم أو المَونة عليهم ويحتكمون إلى الثأر، يَقتنون أسلحة ثقيلة وكبيرة من راجمات صواريخ وغيرها من الأسلحة الثقيلة. كما أنّ أعدادهم كبيرة، وهناك عدد كبير منهم ينتمون إلى أحزاب، لكنّ «حزب الله» لا يتدخّل معهم بشكل رسمي أو مباشر في معاركهم، إلّا أنّه من الطبيعي أن يساندهم لأنّهم في النهاية أبناء بيئته...».
ويلفت المسؤول الكبير إلى أنّ «هذه الاشتباكات خلفها مئات ملايين الدولارات، أي أنّ قيمة الأموال والأسلحة المهرّبة وغيرها من البضائع بأشكال مختلفة هي ذات أهمية كبيرة وقيمة تفوق الخيال، والدليل أنّ الجيش اللبناني سارع إلى إقفال المعابر غير الشرعية لإيقاف هذه العمليات، وبالتالي فإنّ أبعاد هذه الاشتباكات تخضع إلى طبيعة التدهور الذي استجدّ عسكرياً وأمنياً على الحدود اللبنانية- السورية».
من جهة أخرى، يتخوّف المسؤول الكبير من الأحداث الأمنية على الحدود وتحديداً من أمرَين:
-1 الحزازيات الطائفية والمذهبية التي تُغلِّف هذا الاشتباك.
-2 تدخّل حزبي من لبنان كما حصل في المرحلة السابقة في المنطقة الواقعة على الحدود وداخل الأراضي السورية ومن عمليات ثأر متبادلة.
بالتالي، يلفت المسؤول الكبير إلى أنّ «ليس هناك أي رابط بين ما يحصل على الحدود الشرقية وبين العدوان الإسرائيلي المتواصل جنوب لبنان وجنوب سوريا».
وفي الوقت الذي تواصل إسرائيل اعتداءاتها على لبنان وتنفّذ عمليات عسكرية وأمنية في العمق السوري وتقضم أراضي في جنوب سوريا، «نرى أنّ لبنان وسوريا أصبحا تحت رحمة المهرّبين ومافيات التهريب التي تخلق التوتر بين البلدَين، وهو توتر مؤذٍ لهما في الوقت نفسه».
معقّدة وليست مستحلية
وفي الخلاصة، فإنّ الظروف الإقتصادية والسياسية غير المستقرة تجعل مكافحة التهريب مهمّة مستحيلة. ويزيد الفساد وضعف الرقابة والأزمة السورية في الطين بلّة. لكنّ الأمل موجود. إذا تمكنت الدولة من تعزيز سيادتها، وتعزيز الإجراءات الأمنية والقانونية، والتعاون مع دول أخرى، فقد نتمكن من الحَدّ من هذه الظاهرة.
وفي النهاية، تظلّ مكافحة التهريب في لبنان قصة معقّدة، لكنّها ليست مستحيلة. فالإصلاحات الحكومية والتعاون الدولي هما المفتاح لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني.