النقاش حول النظام الإنتخابي في لبنان لا يمكن أن يُحسم بمقاربة انتقائية، بل يجب أن يُبنى على الميثاقية والتوازن الحقيقي، لأنّ أي تعديل خارج هذا الإطار هو ضرب للهويّة اللبنانيّة المتعدّدة وليس تطويرًا لها.
فإمّا ان نطبّق نظامًا طائفيًّا متكاملًا يحترم المناصفة الفعليّة بين المسيحيّين والمسلمين ويضمن لكلّ طائفة حقّ التمثيل الذاتي بعيدًا عن أيّة هيمنة، وإمّا نبني نظامًا علمانيًّا شاملًا يشمل مفاصل الدولة والمجتمع كلّها، وليس فقط حيث يناسب بعض القوى السياسيّة. هذا لا يعني إلغاء المحاصصة الطائفيّة بالكامل فحسب بل إلغاء كلّ الامتيازات الطائفيّة أيضًا، بما في ذلك توزيع الوظائف والمناصب.
اذن لا يمكن تطبيق الطائفيّة السياسيّة بشكل انتقائيّ عندما يناسب البعض، ثمّ المطالبة بإلغائها عندما لا تناسبهم. إما التزام كامل بالنظام الطائفيّ مع مناصفة فعليّة تعكس التوازن الحقيقي بين المكونات، أو الذهاب إلى نظام علمانيّ شامل يساوي بين الجميع في كلّ المجالات، وليس فقط حيث يخدم مصالح معينة.
الإصرار على إلغاء الطائفيّة السياسيّة وحدها، من دون إلغاء الطائفيّة المجتمعيّة والإداريّة، هو إلغاء للبنان المتوازن وليس تطويرًا له. إتفاق الطائف كان واضحًا، تطبيق كامل لبنوده، بما فيها اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وإلا فنحن أمام نموذج مشوّه يؤدّي إلى سيطرة طرف على حساب طرف آخر.
من هذا المنطلق فانّ القانون الأرثوذكسي، ولو مع بعض الإضافات، يعيد النقاش إلى أصله:
"الميثاقيّة والتوازن " .
فهذا القانون يعترف بالواقع التعددي، ويعطي كلّ طائفة حقّ اختيار ممثّليها، بدل أن تتحكّم الأكثريّة العدديّة بمصير الجميع. وإذا كان البعض يرفضه بحجّة “التقسيم”، فليطرحوا بديلًا يضمن المساواة الفعليّة وليس فقط بالشعارات.
لذلك، أيّ نقاش حول إصلاح النظام يجب أن ينطلق من مبدأ واضح: إمّا تطبيق الطائف بكامله، أو فليُطرح بديل متوازن يضمن حقوق الجميع. أما المماطلة والمراوغة وطرح تسويات شكليّة، فهي ليست سوى محاولات للالتفاف على جوهر الميثاقيّة وضرب التوازن الفعليّ.