دوللي بشعلاني -
في الوقت الذي يسعى فيه لبنان السياسي والديبلوماسي لدى الدول الغربية والأوروبية والعربية، للضغط على “إسرائيل” لتنفيذ القرارات الدولية، لا سيما القرار 1701 الذي ينصّ على انسحابها من الأراضي اللبنانية المحتلّة، واتفاق وقف إطلاق النار الذي يطالبها بالانسحاب من التلال الحدودية المحتلّة، تقوم هذه الأخيرة بتوسيع وجودها عسكرياً من أجل ضمن أمن مستوطناتها الشمالية، على ما تدّعي. علماً بأنّ رئيس الحكومة نوّاف سلام، سبق وأن تحدّث عن أنّه لا حاجة الى بقاء قوّات العدو في القرى الحدودية، في ظلّ وجود الأقمار الصناعية التي بإمكانها كشف كلّ شيء. رغم ذلك لا تتوقّف “إسرائيل” عن التوسّع جنوباً، وعن استكمال اعتداءاتها على لبنان وخرقها لسيادته، وآخرها تحليق مسيّراتها امس في أجواء العاصمة بيروت ومحيطها.
وفي إطار سعي الدولة اللبنانية، لإعادة الأمن والاستقرار الى المنطقة الجنوبية، من خلال المحادثات التي تجريها مع دول الخارج على أعلى المستويات، تتحدّث المعلومات عن أنّ “إسرائيل” لم تكتف بإقامة منطقة عازلة جنوب الليطاني، إنّما تسعى الى خلق منطقة كاشفة، تحت مرأى قوّات “اليونيفيل” العاملة جنوب لبنان، وأنظار لجنة المراقبة “الخماسية” التي يُفترض أن تُشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. والمشكلة أنّ هذه الأخيرة لم تتخذ حتى الآن أي إجراء ضد التعديات “الإسرائيلية” على السيادة اللبنانية. أمّا الحجّة فهي أنّ “إسرائيل” تتمتّع بحقّ الدفاع عن أمنها بشتّى الوسائل، وهذا الحقّ أعطتها إياه الولايات المتحدة الأميركية، التي ترأس “آلية المراقبة” دون سواها.
ومن الواضح أنّ المجتمع الدولي لا يساعد لبنان في مسألة انسحاب القوّات “الإسرائيلية” من الأراضي اللبنانية المحتلّة، على ما تقول مصادر سياسية مطلعة، رغم كلّ المحاولات التي يقوم بها على الصعيدين السياسي والديبلوماسي، سيما أنّ الانتهاكات “الإسرائيلية” المتواصلة هي التي تمنع الجيش من بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية. وقد أفادت المعلومات بأنّه في الوقت الذي تطالب فيه “إسرائيل” بسحب قوّاتها من التلال الخمس الحدودية (أي تلّة الحمامص، جبل الباط، جبل بلاط، تلّة اللبونة، وتلّة الضهيرة)، والتي وصلت الى عشرة مواقع كما قيل، تُحاول اليوم توسيع المنطقة الأمنية التي تُعلن، على لسان المسؤولين فيها، بأنّها لن تنسحب منها. وبدلاً من أن تبدأ بتنفيذ انسحابها من المواقع الحدودية، تُنشىء مواقع عسكرية أخرى أقرب الى الحدود، وتقوم من أجل ذلك بنزع النباتات والأشجار كافة في هذه البقعة، تحت عنوان “تنظيف الغطاء النباتي”، بهدف إنشاء منطقة مكشوفة كليّاً، تمتدّ من نقطة رأس الناقورة حتى مزارع شبعا. وما يجري التأكيد عليه هو أنّها تريد تأمين أمنها من داخل الأراضي اللبنانية، وليس من داخل “إسرائيل”، من خلال ما تقوم به من تحصينات عسكرية تابعة لها، وتأمين مسيّرات يمكنها الوصول الى أينما تشاء، ومن جعل الأرض الحدودية محروقة غير صالحة للعيش فيها. والهدف الأساسي من ذلك هو عرقلة عودة السكّان اليها، حتى ولو تحقّق انسحابها منها في وقت لاحق.
وإذ تقوم “إسرائيل” بتثبيت وجودها في جنوب الليطاني، من ضمن استراتيجيتها الأمنية، يسعى لبنان السياسي والديبلوماسي لدى دول الخارج، الى تأكيد اعتداءاتها على السيادة اللبنانية، وخرقها اتفاق وقف إطلاق النار، إذ وصلت هذه الخروقات الى أكثر من 3650 خرق بريّ وجوّي، بحسب المعلومات الأخيرة، فضلاً عن تسبّبها باستشهاد 190 مواطنا وإصابة 485 بجروح خلال استكمال اعتداءاتها، بعد دخول اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الفائت وحتى يومنا هذا.
وأكّدت المصادر السياسية أنّ الجيش ضاعف من انتشار عناصره في المنطقة الجنوبية، والذين تخطّى عددهم الـ 7 آلاف عنصر، ويقوم بكلّ ما هو مطلوب منه في اتفاق وقف النار، كما في القرار 1701 رغم إمكاناته المتواضعة، ومن دون أي تقصير أو تأخير. ويطالب اليوم الدول الصديقة بتعزيز قدراته العسكرية. وقد حصل أخيراً على 162 آلية عسكرية كهبة من دولة قطر، التي أعلنت عن تجديد هبة بمبلغ 60 مليون دولار لدعم رواتب الجيش اللبناني. وقد وعدت دول أخرى بتقديم المساعدات، تزامناً مع تطبيق الإصلاحات التي بدأتها الحكومة بشكل واسع وملموس.
وناقشت جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت امس قبل عطلة عيد الفصح المجيد في قصر بعبدا، تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 ومسألة السلاح. وعرض خلالها قائد الجيش العماد رودولف هيكل ملخّصاً عن الوضع الأمني جنوباً، وتفاصيل المهام التي قام بها الجيش في جنوب وشمال الليطاني، تنفيذاً لاتفاق وقف النار ومعالجة سلاح حزب الله. فذكر بأنّ الجيش قام بمفرده بـ 2500 عملية من مصادرة مخازن للأسلحة وإتلافها، وضبط معدّات عسكرية أخرى، ونسّق وتعاون مع “اليونيفيل” بإنجاز عمليات مماثلة. وأشار الى أنّ الجيش انتشر بنسبة 90 % في الجنوب، في حين أنّ الاحتلال “الإسرائيلي” يُعرقل عملية بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية. كما تحدّث عن أنّ الجيش تمكّن من الكشف عن هوية المجموعة التي أطلقت الصواريخ على شمال “إسرائيل” في آذار الماضي. وهذه المجموعة تنتمي الى الفكر الذي تعتمده حركة “حماس” وليس حزب الله، الأمر الذي ينفي ضلوع الحزب بإطلاق هذه الصواريخ على المستوطنات الشمالية، على ما سبق وأن ادّعت “إسرائيل”، لتبرير مواصلة اعتداءاتها على لبنان وقصف الضاحية وبعض القرى الجنوبية.
وأتت جلسة مجلس الوزراء تطبيقاً لخطاب القسم وللبيان الوزاري، في ما يتعلّق باحتكار الدولة اللبنانية للسلاح، على ما تلفت المصادر، وبتطبيق الإصلاحات المطلوبة، وبهدف تسريع مسألة حصول لبنان على التمويل اللازم من المجتمع الدولي، لإعادة إعمار الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. وسيجري عقد جلسات وزارية لاحقة لمناقشة مسألة الحدود… غير أنّ الأولوية اليوم بالنسبة للبنان، هي إنجاز الانسحاب الكامل للقوّات “الإسرائيلية” من جنوب لبنان، ووقف خروقاتها واعتداءاتها المستمرّة على سيادته وعلى اللبنانيين، وحلّ جميع النقاط الحدودية العالقة، لكي يتمّكن بالفعل من بدء عملية إعادة الإعمار.
فما يهم الدولة اللبنانية هو إعادة الأمن والاستقرار الى لبنان، على ما تضيف المصادر السياسية، ما من شأنه تسهيل إنجاز الاستحقاقات، من الانتخابات البلدية والاختيارية في أيّار المقبل، ومن ثمّ النيابية في العام 2026، واستكمال الإصلاحات في شتّى القطاعات، وحصول لبنان على المساعدات من أجل إعادة الإعمار.
فبحسب الإحصاءات الأخيرة “للدولية للمعلومات”، فإنّ عدد الوحدات السكنية المدمّرة في لبنان بلغ 53350 وحدة تتوزّع على الشكل الآتي: 37760 وحدة في جنوب لبنان، و9600 في الضاحية، و5400 في البقاع، و590 وحدة في مناطق أخرى. فضلاً عن 330 ألف وحدة سكنية أصيبت بأضرار منها 130 ألف بأضرار جسيمة، و200 ألف طفيفة، الى جانب تلك التي لحقت بالبنى التحتية والتي تُقدّر بمليار. أمّا الكلفة الإجمالية فهي 8 مليار دولار، وقد قدّرها البنك الدولي بـ 14 مليار دولار، وحتى الآن لم يحصل أي إعمار لهذه الوحدات، بل تمّ تأمين مبلغ صغير. والسكّان التي دُمّرت بيوتهم حصلوا على مبالغ مالية للإيواء لمدّة سنة، وليس لترميم أو إصلاح منازلهم.