داود رمال -
أثار الكشف عن تورط حركة «حماس» مباشرة في إطلاق الصواريخ المشبوهة من جنوب لبنان، إضافة إلى تورطها في تدريب خلية إرهابية استهدفت أمن الأردن انطلاقا من الأراضي اللبنانية، صدمة واسعة داخل لبنان وخارجه، لما يشكله ذلك من خرق خطير للسيادة اللبنانية وتعريض أمن البلاد واستقرارها لمخاطر جسيمة على المستويين الداخلي والإقليمي.
هذه التطورات كشفت عن تحديات عميقة أمام الدولة اللبنانية، سواء من الناحية القانونية أو الأمنية، خصوصا مع تكرار استخدام الأراضي اللبنانية كمنصة لأجندات خارجية لا تراعي المصلحة الوطنية اللبنانية، ولا تضع في اعتبارها حساسيات الوضع الداخلي المعقد ولا علاقات لبنان الأخوية مع الدول العربية الشقيقة.
وأكد مصدر سياسي لبناني رفيع لـ «الأنباء» ان «استخدام الأراضي اللبنانية لإطلاق صواريخ دون علم السلطات الشرعية، وتدريب خلايا إرهابية على أراضيه، يمثلان انتهاكا صارخا للقوانين اللبنانية وللأعراف الدولية التي تحكم سيادة الدول. وهذا ما يضع لبنان أمام مسؤوليات جسيمة تتطلب تحركا عاجلا على مستويات عدة. أول هذه المستويات هو فتح تحقيق قضائي وأمني شفاف ومستقل لكشف ملابسات هذه العمليات، وتحديد المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة، وملاحقة جميع المتورطين وفقا للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، بما في ذلك قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب، واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق كل من سمح أو تواطأ أو غض الطرف عن هذه الأنشطة، أيا كانت صفته أو موقعه».
وقال المصدر «على المستوى الأمني، بات من الضروري تعزيز سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية، لاسيما في المناطق الحدودية، عبر دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الشرعية بشكل فعلي وحقيقي، بعيدا من الحسابات السياسية الضيقة، بما يضمن ضبط الحدود ومنع أي جهة غير رسمية من امتلاك قرار الحرب والسلم، فالإخلال بسيادة الدولة يعني عمليا تعريض لبنان لخطر الانزلاق إلى نزاعات إقليمية لا طاقة له بها، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها منذ سنوات».
وأضاف المصدر «أما من الناحية الديبلوماسية، فإن الكشف عن تدريب خلية إرهابية تستهدف أمن دولة شقيقة كالأردن من الأراضي اللبنانية يضرب علاقات لبنان العربية، ويهدد بفقدان الدعم العربي الذي لايزال يشكل ركيزة لاستقراره، فالتاريخ الحديث أثبت أن الدول التي تترك أراضيها ساحة مفتوحة للمنظمات المسلحة وغير النظامية تفقد تدريجيا مكانتها وحصانتها الإقليمية والدولية. لذا فإن واجب الدولة اللبنانية أن تتحرك فورا لطمأنة الأردن الشقيق بأن ما جرى لا يمثل الشعب اللبناني ولا مؤسساته الشرعية، عبر إرسال وفود رسمية وفتح قنوات تواصل رفيعة المستوى لتأكيد التزام لبنان بسيادته وبأمن الدول العربية، وتقديم كل التسهيلات الممكنة للتعاون الأمني والقضائي مع الجانب الأردني لكشف خيوط هذه القضية ومعالجتها ضمن الأطر القانونية».
وأوضح المصدر انه «من الناحية السياسية هذه الأحداث تفرض ضرورة إعادة النظر في تركيبة القرار اللبناني، الذي أصبح رهينة لمنطق السلاح الخارج عن الشرعية، إذ لم يعد مقبولا أن تبقى جهات مسلحة تتصرف بشكل منفرد باسم قضايا إقليمية أو خلافات مع دول عربية أخرى، دون تفويض من الدولة أو احترام للسياسات الرسمية. فلبنان بلد التعددية والتوازنات الدقيقة، وأي إخلال بهذه المعادلة يؤدي حتما إلى تهديد وحدته الداخلية وإغراقه في صراعات المحاور».
واعتبر المصدر «ان التعامل القانوني والأمني مع هذا الخرق الخطير يجب ألا يقتصر على المعالجة الظرفية للأحداث، بل يجب أن يتحول إلى فرصة لوضع خطة وطنية شاملة لاستعادة القرار الأمني السيادي للدولة اللبنانية، سواء عبر نشر الجيش والأجهزة الأمنية في كل المناطق اللبنانية، وعبر تفعيل القرارات الدولية المتعلقة بسيادة لبنان، وفي مقدمتها القرار 1701. كما يستوجب الأمر إطلاق ورشة سياسية داخلية عنوانها الأساسي تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وحصر السلاح بيد الدولة، وإرساء سياسة أمن قومي لبناني مستقلة تراعي أولا وأخيرا مصالح لبنان وشعبه».
وحذر المصدر من أنه «لا يمكن الاستهانة بالتداعيات الخطيرة لهذه التطورات، سواء على صعيد تعريض لبنان لحرب مفتوحة أو على صعيد تخريب علاقاته مع دول عربية شقيقة يحتاج إلى دعمها في هذه المرحلة المصيرية. ومن هنا، تقع على عاتق القوى السياسية اللبنانية مسؤولية تاريخية لوقف سياسة التذاكي والمراوغة، واعتماد نهج جديد عنوانه سيادة لبنان فوق كل اعتبار، والتأكيد أن لا أمن ولا استقرار ولا علاقات طبيعية مع العالم دون احترام هذه السيادة بشكل كامل وحاسم».