اليوم خَلُصَ العالم، لأن المسيح قد قام من مماته، وهو على كل شيء قدير.
بهذا الإعلان الفصحي الخلاصي، تنطلق الكنيسة في نشيد النور الذي لا يغيب، وترتفع البشرية من ظلمة القبر إلى رجاء الحياة،
فلا يعود الموت نهاية، بل عبورًا،
ولا تبقى المعاناة قدرًا، بل طريقًا نحو القيامة.
أيّها الرفاق والرفيقات،
في هذا الزمن المقدّس، حيث تعلن الكنيسة بقيامة الرب يسوع انتصار الحياة على الموت،
نقف مذهولين أمام سرّ الرجاء الذي لا يُقهر، وأمام الحقيقة التي لا تزول:
أن الحبّ أقوى من الكراهية، وأن الكلمة الأخيرة ليست للقبر، بل للقيامة.
القيامة ليست ذكرى، بل فعلٌ حاضر.
ليست مجرّد حدث تاريخي، بل نداءٌ يوميّ يتوجّه إلى كلّ ضميرٍ حيّ.
هي إعلان دائم أنّ الألم ليس عبثًا، وأن كل صليب يُحمل بالإيمان، يُفضي إلى فجرٍ جديد.
ومن قلب هذا الرجاء، ننظر إلى وطننا لبنان،
ذاك الوطن الذي أعطى العالم أنبياء وقدّيسين، وفكرًا وإنسانًا وشهادة،
وها هو اليوم يرزح تحت صليب الانهيار، تُصلب فيه الكرامة، وتُداس فيه العدالة، ويُحاصر فيه الأمل.
اقتصاده يتهاوى، شبابه يُهاجر، دولته تتفكك، وكرامته تُستنزف،
فيما شعبه يعيش تحت وطأة الفقر والعوز والقلق،
وقد أثقل كاهله أيضًا ملفّ النزوح،
حتى بات اللبنانيّ غريبًا في أرضه، مُهمَّشًا في وطنه، منسيًّا في قضيته.
نعم، أكثر من مليونين ونصف نازح سوريّ يعيشون اليوم على أرض لبنان،
يتقاسمون مع اللبنانيين موارد نادرة، وخدمات متهالكة، وفرصًا شبه معدومة،
لكنّ النزوح، الذي بدأ كأزمة إنسانيّة مؤقّتة بفعل الحرب،
تحوّل إلى خللٍ ديموغرافيّ خطير، واحتلالٍ مدنيٍّ مُبطّن،
يهدّد توازن لبنان وصيغته ووجوده،
في ظلّ غياب سياسة واضحة، وتخاذل دوليّ مشبوه، واستثمار سياسيّ داخلي فجّ.
ومع كل هذا الظلام، لا نيأس.
لأننا أبناء الرجاء، نؤمن أن الصليب ليس خاتمة القصة،
وأن الحجر المدحرج عن قبر المسيح، قادرٌ أن يُدحرج أيضًا حجارة قبور أوطاننا.
نؤمن أنّ لبنان، كما الرب القائم، يستطيع أن ينهض من موته،
أن يتحرّر من فساده، من كبته، من تجار الهيكل الجدد،
إذا قرّرنا نحن أن نكون شهودًا حقيقيين للقيامة، لا شهود زور على حساب الوطن.
فلنحمل صليب لبنان بكرامة، ولنحفظ وجعه بأمانة،
ولنُشعل من رماد الانهيار شعلةً لا تنطفئ،
تُضيء درب قيامة وطنٍ لا يُبنى على التسويات، بل على الحقّ،
لا يقوم على المحاصصات، بل على العدالة.
المسيح قام! حقًا قام!
وبقيامة الضمائر، وبنبض الشرفاء، وبإرادة لا تلين،
لبنان سيقوم!
مع محبّتي الفصحية،
بسام صرّف