<
17 September 2023
لماذا يهتم الناس كثيراً بإمكانية وجود مخلوقات فضائية؟

عاد الحديث عن المخلوقات الفضائية الى الواجهة بعد نشر وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الخميس، تقريراً قالت فيه مجدداً إنه لا يوجد أي دليل على أن كائنات فضائية تقف وراء المئات من "الظواهر الشاذة غير المحددة"، وهو الإسم الجديد الذي اعتمدته الوكالة حديثاً للإشارة الى "الأطباق الطائرة" وما يشبهها.

لكن لم تستبعد وكالة الفضاء أيضاً أي احتمال. كما أشارت الى أنه يجب أن يكون عامة الناس منخرطين بصورة أكبر في هذه المسألة، من خلال ابتكار نظام يتيح جمع التسجيلات المأخوذة من الهواتف المحمولة مثلاً.

وقبل نشر ناسا لتقريرها الجديد، استضاف البرلمان المكسيكي صحفياً مهتماً بشؤون المخلوقات الفضائية، عرض أمام المشرعين "جثتين" لكائنات فضائية يقول إنه عثر عليهما في مدينة كوسكو بالبيرو، ويقدر عمرهما بحوالى ألف عام.

متى بدأ الهوس بالمخلوقات الفضائية؟
بحسب تقرير منشور على الموقع الرسمي لمكتبة الكونغرس، أصبحت التقارير عن "الأطباق الطائرة" في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، ظاهرة ثقافية أمريكية. وأصبحت رؤية الأجسام الغريبة في السماء بمثابة المادة الخام لهوليوود لتقديم رؤى حول التهديدات المحتملة التي تشكلها هذه المخلوقات.

وكان السؤال الذي يطرح حينها هو: هل هؤلاء الزوار المزعومون من عوالم أخرى هم مسالمون وخيرون أم أنهم سيهاجمون البشرية ويدمرونها؟

ويشير التقرير إلى أن الحديث عن المخلوقات الفضائية أتى بعد اكتشاف الناس القوة التدميرية للقنبلة الذرية وتفكيرهم في إمكانات التقدم التكنولوجي. ويضيف أن الخوف من مستوى الدمار في عصر الحرب الباردة أثبت أن هناك أرض خصبة للقلق لدى الناس وأنه يمكن استخدام ذلك.

وبحسب الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية، فإنّ جذور هوس الأمريكيين بالأجسام الطائرة المجهولة تعود إلى شهر يوليو/تموز من عام 1947. إذ وفقاً لعشاق الأجسام الطائرة المجهولة، في ذلك التاريخ استولت القوات الجوية الأمريكية على مركبة فضائية غريبة، وركابها، بالقرب من روزويل بولاية نيو مكسيكو.

وعادت هذه القصة إلى الواجهة عام 2019، مع تحذير ناشطين من أنهم يريدون اقتحام القاعدة الأمريكية العسكرية السريّة المعروفة باسم "المنطقة 51" في ولاية نيفادا الأمريكية "لإخفائها كائنات فضائية".

وبدأ الأمر بدعوة أطلقها أحد الناشطين على موقع فيسبوك وقال فيها: "معاً نجتاح المنطقة 51، لا يمكنهم إيقافنا جميعاً"، وضرب موعداً لذلك هو اليوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019.

وتفاعل أكثر من مليون شخص مع الدعوة على فيسبوك، على الرغم من أن صاحب الفكرة قال في وقت لاحق إن الأمر كله كان مجرد دعابة.

والمنطقة 51 هو اسم شائع لقاعدة جوية أمريكية تقام فيها أنشطة سرية للغاية، وأسهم الغموض الذي يكتنف المنطقة 51 في نسْج نظريات المؤامرة حولها.

وتقول أشهر السرديات في هذا الصدد إن الموقع يستضيف مركبة فضائية وأجسام طياريها، بعد أن تحطمت بهم في منطقة روزويل في ولاية نيو مكسيكو عام 1974. وتقول الحكومة الأمريكية إنه لا توجد أي كائنات فضائية فيها وأن الجسم المتحطم، لم يكن سوى منطاد أرصاد جوية.

ويزعم أناس أنهم رأوا أجساماً طائرة مجهولة تحوم فوق أو على مقربة من الموقع، بينما يقول أناس آخرون إنهم تعرضوا للاختطاف على أيدي كائنات فضائية، ويتجاوزون ذلك إلى القول إنهم خضعوا لتجارب قبل أن يُعادوا إلى الأرض.

وكان رجل يدعى روبرت لازار، زعم عام 1989، أنه عمل على تقنية فضائية في المنطقة 51، وأنه اطلع على صور فوتوغرافية طبية لكائنات فضائية، وأن الحكومة تستخدم المنشأة لاختبار أجسام طائرة مجهولة.

بدعة سوفييتية؟
أشارت الصحفية آني جاكوبسن، التي نشرت في العام 2011 كتاباً كشفت فيه معلومات تنشر لأول مرة عن المنطقة 51، إلى أنها كانت تستخدم لإجراء تجارب نووية سرية للغاية ولتطوير الأسلحة ومن ثم لتجارب طائرات المراقبة.

وكتبت أن إحدى الطائرات، التي تسمى "أوكسكارت"، صممتها وكالة المخابرات المركزية، لتسافر بثلاثة أضعاف سرعة الصوت على ارتفاع 90 ألف قدم للتجسس على الاتحاد السوفيتي وكوبا.

وأشارت الى أن ارتباط المنطقة 51 بالكائنات الفضائية ساهم في خلق أجواء غامضة مفيدة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية.

وتضيف: "لقد استخدمت السي آي ايه هذا الغموض لمصلحتها عبر الترويج لخرافة الكائنات الفضائية".

وتقول جاكوبسن في كتابها نقلاً عن أحد مصادرها، إن المركبة أو الطائرة التي تحطمت في نيو مكسيكو، كانت نتيجة لبرنامج التجارب البشرية السوفييتية، وكان تضم طيارين مصممين بحجم أطفال، صنعوا على شكل الكائنات الفضائية التي تتحدثت عنها رواية "حرب العوالم" لأورسون ويلز والتي هي رواية خيال علمي.

وتضيف: "كانت الخطة، وفقاً لمصدري، هي إثارة الذعر في الولايات المتحدة من خلال الاعتقاد بأن جسماً غامضاً (صحناً طائراً) قد هبط وبداخله كائنات فضائية. وإحدى الوثائق الأكثر إثارة للاهتمام هي المذكرات الرسمية بين المدير الثاني لوكالة المخابرات المركزية، والتر بيدل سميث ومجلس الأمن القومي والتي تتتحدث عن مدى الخوف من أن يقوم السوفييت بخدعة ضد أمريكا باستخدام جسم غامض، وزيادة الضغط على نظام الإنذار الجوي المبكر لدينا، مما يجعل أمريكا عرضة لهجوم".

ما المؤكد حتى اليوم؟

على الرغم من المعلومات التي قدمتها جاكوبسن، إلا أن الحديث عن الأطباق الطائرة والمخلوقات الفضائية لم يتوقف في الولايات المتحدة، لا من قبل الجمهور ولا من قبل الرؤساء أو الحكومة وأجهزتها الأمنية.

في العام 2017، كشفت وسائل إعلام أمريكية، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أدارت عام 2007 برنامجاً سرياً تبلغ تكلفته ملايين الدولارات للتحقيق والبحث في الأجسام الطائرة المجهولة، إلا أنه أغلق عام 2012.

وفي العام 2021، أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية عن تشكيل قوة مهام خاصة للتحقيق في تقارير عن رؤية أجسام طائرة مجهولة الهوية (أطباق فضائية طائرة) كانت تحلق في المجال الجوي المحظور بالولايات المتحدة.

وقال البنتاغون إن قوة المهام الخاصة سوف تعمل على تقييم الأشياء محل الاهتمام و"تحييد أي تهديدات مرتبطة بها".

وخلص تقرير لوزارة الدفاع درس 144 مشاهدة لأجسام طائرة غير محددة الهوية، منذ عام 2004، أنه: "لا توجد مؤشرات واضحة على وجود تفسير مرتبط بحضارة من خارج كوكب الأرض لهذه الأجسام الطائرة"، لكنه أيضاً لم يستبعد ذلك.

وأضاف التقرير أنه قد تكون بعض هذه الظواهر مرتبطة بتكنولوجيا تابعة لدول أخرى مثل الصين أو روسيا، وقد يكون بعضها مرتبطاً بظواهر جوية أو طبيعية، مثل بلورات الثلج التي يمكن أن يسجلها الرادار.

وقال التقرير أيضاً إن بعض هذه المشاهدات، يمكن أن تكون مرتبطة "ببرامج تكنولوجية سرية، تابعة لمؤسسات أمريكية".

وفي مايو/أيار الماضي، عقدت ناسا أول اجتماع عام لها، حول النتائج التي توصلت إليها اللجنة الخاصة التي تم إنشاؤها العام الماضي، حول الأطباق الطائرة والتي أسمتها الناسا باسم جديد، وهو " الظواهر الطائرة غير المعروفة" بدلاً من "أجسام طائرة مجهولة".

ولم تتوصل ناسا في دراستها إلى أي دليل يشير الى وجود كائنات فضائية. وأكدت إنه كان هناك أكثر من 800 حالة مشاهدة لظواهر طائرة غير معروفة. لكن عدد تلك المشاهدات التي "ربما تكون غير طبيعية حقاً" هو بنسبة 2 إلى 5٪ من إجمالي قاعدة البيانات.

وأكدت ناسا لاحقاً أن ما وجدته الدراسة في إحدى الحالات "غير الطبيعية" المبلغ عنها، هو أنه لم يكن يوجد شيء "غريب" بشأن الأجسام التي تم التشكيك بها، باستثناء أنهم لم يكونوا قادرين "على الإمساك بها".

إذ اتضح لهم وهم يلاحقونها، أن الأشياء هذه كانت أبعد بكثير مما كانت تعتقده الطائرة الخاصة بهم. وفي وقت لاحق، تم اكتشاف أن الأضواء التي شككوا بها كانت مجرد أضواء تخص طائرة تجارية متجهة إلى مطار رئيسي.

ومن جهتهم، يعتقد بعض الخبراء أنه يمكن مع الوقت اكتشاف ظواهر فيزيائية جديدة تفسر بعض هذه الظواهر "الغريبة".

ويؤكد بعض العلماء أن الأحداث أو "الأجسام" الغامضة ليست بالضرورة دليلاً على وجود كائنات فضائية.

هل هذا كله مجرّد وهم؟


في الوقت الذي تبحث فيه ناسا والبنتاغون عن المخلوقات الفضائية، وحتى جلاء الحقائق العلمية، كيف يمكن أن نفسر قول البعض، خصوصاً في الولايات المتحدة، أنه تم "خطفهم" من قبل مخلوقات فضائية ثم أعيدوا بعدها الى الأرض؟

قد يعود التمركز الأكبر لمثل هذه الحالات في الولايات المتحدة، الى مدى انتشار الحديث عن مشاهدة الأطباق الطائرة في السماء، بالإضافة الى كثرة تناولها في الأفلام والكتب وفي السياسة والإعلام.

هذا ما جعل علماء النفس بدورهم يبحثون عن إمكانية وجود خصائص مختلفة معينة لدى الأشخاص الذين يخبرون عن مشاهدتهم لأطباق طائرة أو لقائهم بمخلوقات فضائية.

وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يبلغون عن اتصالهم بالكائنات الفضائية يبدو أن لديهم ملفاً نفسياً مختلفاً مقارنة بالمشاركين الذين لم يبلغوا عن هكذا مشاهدات.

وتوصلت دراسة أجرتها كلية غولدزميثز في جامعة لندن عام 2007، على مشاركين مقيمين في المملكة المتحدة، الى أن هؤلاء الأشخاص يظهرون مستويات أعلى من الانفصام، والميل إلى الهلوسة، والإيمان بوجود قوى خارقة، وربما لديهم مستوى أعلى من الخيال الواسع، بالإضافة الى مستويات أعلى من الإبلاغ الذاتي عن حالات شلل النوم.

وكانت دراسة أجريت في العام 1996 في جامعة إسيكس في المملكة المتحدة أيضاً، توصلت أيضاً الى أن اعتقاد الأشخاص بوجود أجسام طائرة مجهولة، مرتبط بدرجات أعلى بنوع من أنواع الذهان أو الفصام لديهم. إلا نها قالت إن الاعتقاد بوجود حياة خارج كوكب الأرض في حد ذاته غير مرتبط بذلك.

BBC