أنطوان الأسمر
عنى، فيما عنى، التسريب الإسرائيلي للاقتراح الأميركي الذي وضعه الموفد الرئاسي آموس هوكستين، أن ثمة رغبة جامحة في إجهاض مهمته بهدف وحيد وهو مدّ نار الحرب بما يستوجب من وقود لازم لبقائها مشتعلة إلى حين. تُصاف ذلك إلى حقيقة أن المسعى الأميركي في حدّ ذاته كان إعلاميا- انتخابيا يُراد منه إشاعة مناخات من التفاؤل لعلها تنعكس ايجاباً على الادارة الاميركية التي تستعجل صنع انجاز لها فيما الزمن يداهمها، وفي الوقت نفسه محاكاة الناخبين الأميركيين من أصل لبناني الذين ستذهب غالبية أصواتهم إلى المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو نجح في استمالتهم وفق ما تُظهره استطلاعات الرأي.
في الأصل، لا يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقف الحرب. هو يجد في الظرف الراهن واللاوزن الأميركي الناتج من الفترة الانتقالية بين عهدين رئاسيين، فرصة لإكمال تحقيق أهدافه اللبنانية، في مقدمها القضاء على حزب الله، عسكريا بالطبع، لكن أيضا سياسيا. لم يُخْفِ هدفه هذا، بل جاهر به في الوقت نفسه الذي كان يستقبل هوكستين. قال بوضوح إنه لا يحدد موعدا لنهاية الحرب "لكني أضع أهدافا واضحة للانتصار فيها"، متحدثا عن "ضغط لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان، والواقع أثبت العكس". وقال: "نحترم القرارين 1701 و1559 ولكنهما ليسا الشيء الرئيسي" (...) بالنسبة لإسرائيل منع إعادة تسليح حزب الله أهم من تطبيق القرارات الأممية ".
لا ريب أن العبارتين الأخيرتين تجسّدان تمام التجسيد النهج الإسرائيلي المتّبع راهنا. لم يعد نتنياهو يكتفي حتى بالقرار 1559. هو ذهب أبعد مدى، وصولا إلى التصفية السياسية لحزب الله، لا العسكرية فحسب، في حال أتيح له ذلك. وكلامه عن "تغيير وجه الشرق الأوسط" و"معالجة أذرع الأخطبوط ونضرب في الوقت نفسه رأسه في إيران" هو خطة عمله الواضحة للمرحلة المقبلة. بعد حماس وحزب الله، الدور على الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق. هو يعتقد أن تصفية الأذرع ستسهّل عليه المواجهة الكبرى مع إيران، وحينها يتحقق له الشرق الأوسط الإسرائيلي، لو طال المخاض.
هنا تحديدا يكمن الرفض العربي لأي تغيّر جيوستراتيجي في الإقليم يحقّق لنتنياهو حلم السيطرة والتحكّم. لذا كان لا بد للمملكة العربية السعودية أن تبادر. اتُّخذ قرار عقد القمة العربية والإسلامية في 11 تشرين الثاني، وسط تزايد التوترات في المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية وتداعياتها، وهي التي تثير قلقاً دولياً من احتمال اندلاع نزاع إقليمي أوسع.
كان لافتا في بيان وزارة الخارجية السعودية الإشارة إلى أن القمة هي لبحث "التداعيات الخطيرة لهذا العدوان (الإسرائيلي) على أمن المنطقة واستقرارها".
تريد الرياض من القمة أن تبلور موقفا عربيا وإسلاميا مشتركا وإيجاد حلول ديبلوماسية وسياسية للحد من التصعيد وحماية المدنيين المتضررين. لكنها أيضا تعي تماما مخاطر أن يستولد نتنياهو شرق أوسط جديدا على القياس الإسرائيلي، وهو مشروع توسّعي قديم يستند إلى نصوص دينية توراتية، من زمن دافيد بن غوريون، عاد إليه نتنياهو في تلك الخريطة المكسية باللون الأخضر الداكن والتي شهرها من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول، وتشتمل على مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن (الدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام)، من غير أن تأتي على ذكر دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة إسرائيل على خريطة الضفة الغربية كاملةً، بما فيها قطاع غزة.
ولا يخفى أن إسرائيل الكبرى تضمّ مصر والأردن وسوريا ولبنان، وأجزاء من العراق، فيما يتحدث بعض المراجع عن أنها تشمل كذلك مناطق في الخليج.
تريد الرياض، إذن، من قمة 11 تشرين الثاني أن تخرج بموقف واضح من التطورات والتبدلات المتوقّعة، بالاستناد إلى مبادرة السلام العربية (قمة بيروت 2002)، وهي في الأساس مبادرة سعودية، وإلى مبادرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإقامة دولة فلسطينية والتي تبلورت أفكارها في الاجتماع الأول لـ"التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين" الذي أطلقته المملكة للضغط في اتجاه إقامة الدولة المنشودة. ولا شكّ ان هذا التوجّه هو العامل الرئيس والأساس لمنع تحقيق الشرق الأوسط الإسرائيلي الذي توازي خطورته، وربما تفوق، أي مشروع توسعي إسلامو- سياسي آخر في المنطقة.