<
09 November 2024
"السيادية" الحقيقية.. لا الإنتقائية! (ميشال ن. أبو نجم)

لكثرة استهلاك بعض المصطلحات في الخطاب السياسي اللبناني، تصبح بعد فترة ممجوجة وقريبة من الإبتذال الإعلامي والسياسي، أو شعاراً أجوف لا متانة للمعنى فيه. والسلوك السياسي وحده، هو ما يكشف زيفَ هذه المصطلحات المستعملة من حقيقتها.

ودافع هذا الإستنتاج ما آل إليه توصيف "السيادية" لدى بعض القوى السياسية اللبنانية، والذي انسحب خاصة على المرشحين للنيابة في 2022. فأصبح فلان مرشحاً "سيادياً" وفلانة "سيادية"، وكأن هذه الكلمة الكبيرة في معانيها، باتت الحل السحري وخشبة الخلاص لاستغلال لحظات سياسية معينة وإيهام الجمهور بفقاعات كلامية.

هذه "السيادية"، إما انتقائية، أو "مقلوبة". ذلك أن الحماس لدى بعض ما كان يُعرف بفريق "14 آذار" لجعل "السيادة" محصورة فقط بنزع سلاح حزب الله أو مواجهة إيران، يستثني الخطر الإسرائيلي الكبير على السيادة اللبنانية. يتراجع هنا الحماس أو ينحصر ليصبح انتقائياً بالتعاطي مع سوريا وإيران وسلاح حزب الله.

أما توصيف "السيادي" في الموقف من الدولة السورية، وتحديداً بعد الإنسحاب من لبنان عام 2005، فكان "مقلوباً" لأنه حوّل مطلب سحب الجيش السوري، إلى اللحاق بالنظام في سوريا آملاً بإسقاطه، كما برز ذلك في المواقف من الحرب السورية، متعارضاً ذلك مع المصلحة اللبنانية الذاتية وبالسيادة الحقيقية، لا تلك التي تخرج من التدخل في شؤون دول مجاورة، أو من بندقية المنظمات الإرهابية.

هناك مقاربة أخرى للسيادة، قائمة على ركائز حقيقية، وشاملة في المقاربة، لا انتقائية.

محورية هذه المقاربة التي يمثّلها التيار الوطني الحر، أنها تتجسّد في سلوك حقيقي، ولا تنحصر في الشعارات، الإنتخابية خاصةً. هي تدور حصراً حول المصلحة اللبنانية الوطنية الذاتية، لا غير.

وعندما كان الموقف "السيادي" مُكلفاً بين 1990-2005، شكّل "التيار" رأس الحربة في المواجهة مع السيطرة السورية، وحين اقتضت مصلحة لبنان بحمايته من هجمة المحافظين الجدد واندفاعهم الأعمى لتدمير العراق وسوريا بعد ال2005، لم يتردد "التيار" في معارضة السلوكيات الأميركية التي وصلت إلى أوجِها في التحريض على حرب تموز 2006. كان خطاب الرئيس العماد ميشال عون في الأمم المتحدة عام 2019، رافعاً سيف مواجهة توطين النازحين ومخطط إلغاء كيان لبنان، تعبيراً عن حجم الحرب الهجينة الآتية، والتي انفجرت في "17 تشرين"، ووجِّهت نحو رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى.

وبعد كل ما حصل في الحرب الإسرائيلية على لبنان، والموقف الصريح لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من السلوك الإيراني في التعاطي مع الولايات المتحدة، ومع دفع لبنان الثمن الأكبر، تتجلى سيادية "التيار" بأبعادها الشاملة، لا الإنتقائية، أو تلك التي تتوسل العواطف الإنتخابية، وخاصة في البيئة المسيحية اللبنانية.

إنه السلوك السيادي المرتبط بالإستقلالية، وليس التبعية للمحاور شرقاً وغرباً، وبمصلحة لبنان الوطن والكيان، أولاً، وأخيراً...

*رئيس تحرير موقع tayyar.org