حبيب البستاني-
حوالي الشهرين مرا على بدء العملية البرية الإسرائيلية على لبنان، هذه العملية التي بدأت في الأول من أكتوبر 2024 وذلك تحت عنوان عودة المدنيين إلى مستوطنات إصبع الجليل ومستوطنات الشمال بصورة عامة، وكان قد سُجل نزوح أكثر من 100000 مواطن إسرائيلي إلى وسط إسرائيل هرباُ من صواريخ المقاومة. وقد وضع العدو عدة أهداف لهذه العملية التي وصفها بالتوغل المحدود، ومن هذه الأهداف القضاء على البنى التحتية للمقاومة وتفكيك الهيكلية العسكرية والقضاء على القدرات الصاروخية لحزب الله. وفي سببيل تحقيق ذلك زج جيش الاحتلال بخمس فرق مقاتلة في شمال إسرائيل تضم أكثر من 50000 مقاتل، موزعة على كامل القطاعات الجنوبية ومحاولاً تنفيذ اختراقات على أكثر من محور إذا تمكن. ولتسهيل العملية البرية والاختراق البري استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي لبنان من الجنوب إلى الشمال والبقاع مروراً بالضاحية بأكثر من 15000 غارة. بدا كل شيء سهلاً على الورق وبعد أن رسم جنرالات العدو بالتعاون مع حلفائهم الغربيين والأميركيين بصورة خاصة خططاً جديدة وذلك لتفادي ما حل بجيش العدو من انكسارات في حرب العام 2006، وبدأت آلة الحرب الهمجية الإسرائيلية عملها فتمت عملية تدمير ممنهجة لمعظم البلدات الحدودية التي كان من المؤمل أن يدخل منها جيش الاحتلال، وذلك لإزالة خطر وجود الكمائن التي قد ينصبها لهم مقاتلو الحزب.
حساب الحقل وحساب البيدر
ومع اشتداد المعارك وزيادة محاولات التوغل تبين أن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، وراحت الخسائر تتكدس بالجملة على جيش الاحتلال، وقد سُجل سقوط أكثر من 90 قتيلاً من جنود العدو على الجبهة الشمالية وذلك بحسب معطيات العدو مما يعني أن الأرقام هي في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. فالجيش الإسرائيلي الذي كان يتَبع الشفافية في حروبه السابقة، إذ إن الفرق الإعلامية كانت تغطي أخباره وترافقه في مختلف تحركاته، اختار هذه المرة أن يحيط كل عملياته بالكتمان الشديد، حتى أن وسائل الإعلام العبرية والمحسوبة على الجيش لم يكن مسموحاً لها بالتغطية الحية لما يجري، وذلك بهدف التعمية على ممارسات العدو الوحشية من جهة، ومن جهة ثانية عدم الرغبة بتغطية خسائر الجبش التي قد تنعكس سلباً على الداخل الإسرائيلي.
اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل
ومما زاد في الطين بلة وجعل من التفوق الإسرائيلي أضحوكة العالم، لا سيما الأنظمة الدفاعية الجوية من القبة الحديدية إلى مقلاع داوود إلى نظام ثاد THAD أي Terminal High Altitude Area Defense وهو نظام دفاع جوي متطور تستعمله الولايات المتحدة وحلفاءها لاعتراض الصواريخ التي تطير على ارتفاعات شاهقة، كل هذه الأنظمة لم تستطع اعتراض وإسقاط ال 340 صاروخ التي أطلقها الحزب وأصابت تل أبيب وضاحيتها وعمق إسرائيل حيث الكثافة السكانية الكبيرة لا سيما من نازحي مستوطنات الشمال. بالإضافة إلى سلاح المسيرات التي كانت تخترق بسهولة فائقة خطوط الدفاع الإسرائيلية. وكان من نتيجة ذلك هلع كبير ونزول أكثر من 4000000 إسرائيلي إلى الملاجىء، فكان لصواريخ المقاومة ومسيراتها ليس فقط الضرر المادي إنما الضرر النفسي الذي هو أشد وأدهى.
الميركافا إلى الوراء در
وكانت الطامة الكبرى على جيش العدو هو استعادة مشهدية دمار دبابات الميركافا في عام 2006، فبعد تدمير 6 دبابات ميركافا، 5 في بلدة البياضة الساحلية الاستراتيجية التي تقدم منها العدو لمحاولة تأمين الطريق الساحلي باتجاه صور، وتدمير واحدة على تخوم بلدة دير ميماس. وهنا توجس جيش الاحتلال شراً ومخافة أن تتكرر عملية تدمير الدبابات كما حدث في وادي الحجير في العام 2006، وهكذا لم يعد للعدو سوى أمران، الأول إعطاء الأوامر للميركافا بالتراجع والثاني السماح بتقدم الحل السلمي الذي من المنتظر أن يقره مجلس وزراء العدو المصغر ال Cabinet بعيد اجتماعه. وهكذا نرى وبكل وضوح أن فشل البر سيعجل بالحل السلمي، وأن أي تاخير باعتماد الحل سينعكس ضرراً ليس فقط على المدنيين اللبنانيين بل وعلى الإسرائيليين وذلك تبعا لشريعة موسى Loi du Talion العين بالعين والسن بالسن، اي بالعربي المشبرح تل أبيب مقابل بيروت.
كاتب سياسي*