الأخبار: علاء حلبي-
يثير تهليل المعارضة السورية لـ«فتوحات هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق) في الشمال السوري، أسئلة عديدة حول هوية هذه المعارضة، وانتمائها، ومشروعها السياسي، ومقدار امتلاكها القدرة التفاوضية، وفق أي مسار كان، سواء المسار الروسي (أستانا)، أو المسار الأممي (اللجنة الدستورية). ومنذ تشكّل المعارضة وتبلورها في «المجلس الوطني» الذي أنشأته تركيا، و«الائتلاف» الذي أعادت السعودية صياغته قبل أن تعود تركيا ومعها قطر للاستحواذ عليه وسط انكفاء السعودية ومعظم دول الخليج عن التدخل في الحرب السورية، أيّدت المعارضة تشكلات مسلحة عديدة باعتبارها ضد النظام وجزءاً من «المشروع الثوري»، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، التي استغرب «الائتلاف» عام 2018 إدراجها على لوائح الإرهاب.
ورغم استحواذ «النصرة»، التي ولدت من رحم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وبايعت «القاعدة» - قبل أن تتملص من هذه المبايعة -، على إدلب، حيث أقامت «حكومة» منفردة بعيدة عن حكومة «الائتلاف» التي تنشط في ريف حلب، فهي لم تنجح، طوال السنين الماضية، في توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، في ظلّ حالة الانقسام الكبيرة بين إدلب وحلب، والتعدّد الكبير للفصائل المتصارعة في ريف حلب، والتي وصل صراعها إلى «الائتلاف» ذاته، الذي انقلبت عليه «حكومته» (الحكومة المؤقتة)، وخاضت معه نزاعات عميقة، ليتمّ تهميشها في ظل التطورات الأخيرة.
ويضع الهجوم الذي قاده «أبو محمد الجولاني» (زعيم الهيئة)، وشاركت فيه فصائل من المفترض أنها «معتدلة» وتتبع لـ«الحكومة المؤقتة» و«الائتلاف»، المعارضة، في موقف التبعية لهذا التنظيم «القاعدي»، خصوصاً أن الجولاني، وبعد أن بسط سيطرته على حلب، قام بإيفاد «حكومة الإنقاذ» (الحكومة المنبثقة عن الهيئة والتي تدير إدلب) لتسيير شؤون حلب، وسط غياب تام لمؤسسات المعارضة الأخرى الموجودة في ريف حلب. كما تتجاهل المعارضة، الفرِحة بـ«حلب الحرة»، حقيقةَ أجندة «الجولاني» العلنية وحلمه بضمّ حلب إلى سيطرته، في حالة تشبه بدايات ظهور تنظيم «داعش»، الذي حاولت المعارضة التملّص منه فور إعلان الولايات المتحدة محاربته، علماً أن هذا التنظيم شارك في أنشطته قياديون عديدون في ما كان يُعرف بـ«الجيش السوري الحر»، قبل أن يندثر تقريباً وتحلّ «النصرة» مكانه.
بالرغم من خلع عباءة «التشدد»، والإيحاء بالاعتدال، لا تختلف أسس «الهيئة» عن «داعش»
ومنذ تأسيسها عام 2012، نفّذت «جبهة النصرة» مئات العمليات الانتحارية التي أودت بحياة آلاف المدنيين، واستهدف بعضها المدارس في حمص، وبعضها الآخر استهدف كراجات مزدحمة بالمدنيين في جبلة، ومواقف مزدحمة في دمشق. ومنذ تأسيسها، وبالرغم من تملصها من «القاعدة»، حافظت هذه الجماعة على نهجها التكفيري؛ إذ حاربت الدروز في ريف إدلب، وهجّرت الشيعة، وفرّ معظم المسيحيين من مناطق سيطرتها، كما لعبت شخصيات «جهادية» عابرة للحدود وللقارات دوراً في قيادتها، ولا تزال، وتقاتل في صفوفها جماعات متشددة غير سورية.
وبالرغم من خلعها عباءة «التشدد»، ومحاولتها الإيحاء بالاعتدال، وعملية التلميع الإعلامية المستمرة لأنشطتها، لا تختلف الأسس التي تعمل عليها «الهيئة» عن سابقتها وجماعتها الأم (داعش)، والتي امتلكت مؤسسات كبيرة وقامت بتنظيم شؤون المواطنين وقبضت على مفاصل اقتصادهم وحياتهم، ومنعت مشاركة أي فصيل أو جهة معارضة أخرى، وهو ما أثبتته سياسة «الجولاني»، ربيب «أبو بكر البغدادي» والمغرم بتجربة «طالبان»، منذ ظهوره وحتى الآن. فما الذي تنتظره فعلاً المعارضة السورية السعيدة؟