تعتبر أول 100 يوم من ولاية الرئيس الأميركي الجديد مرحلة حاسمة في تحديد ملامح سياساته الداخلية والخارجية، حيث تعد بمثابة اختبار للقدرة على الوفاء بالوعود الانتخابية والتفاعل مع التحديات المستجدة.
عادة في هذه الفترة الزمنية القصيرة، يسعى الرئيس إلى تحقيق التوازن بين تحقيق إنجازات سريعة ترضي قواعده الانتخابية وفي الوقت ذاته تجنب اتخاذ قرارات قد تؤثر سلباً على استقرار الدولة. ويُنظر إلى هذه الأيام على أنها مؤشر رئيسي لكيفية إدارة الرئيس الجديد للأزمات واتخاذ القرارات المهمة التي قد تُسهم في تشكيل مستقبل الولايات المتحدة.
بالنسبة لدونالد ترامب، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في دورة 2024، ستكون أول 100 يوم في منصبه مليئة بالتحديات الاستثنائية، بدءاً من إدارة الاقتصاد الأميركي، مروراً بإصلاحات النظام الصحي، وصولًا إلى تعزيز الوضع الأمني الداخلي وتعامل الولايات المتحدة مع القضايا الجيوسياسية العالمية.
كما ستكون لديه فرصة لإظهار مدى فاعليته في توجيه استراتيجياته الاقتصادية وإدارة العلاقات مع الحلفاء والخصوم على الساحة الدولية.
في هذا السياق، رسم تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، خريطة أبرز المواقف والقرارات التي يُنتظر أن يتخذها ترامب في الـ 100 يوم الأولى من رئاسته، بالنسبة لعددٍ من القطاعات والملفات الرئيسية.
بحسب تقرير الصحيفة، فإن:
كبار المساعدين ومسؤولو البيت الأبيض المستقبليون يرسمون -خلف الكواليس- أولى خطواتهم السياسية للوفاء بتعهداته الانتخابية بإحداث تغيير شامل في الولايات المتحدة. وفي معسكره هناك تصميم شرس على تنفيذ رؤية الرئيس المنتخب بسرعة وفعالية أكبر مما كان عليه الحال أثناء ولايته الأولى.
أجرى كبار حلفاء ترامب ــ بما في ذلك إيلون ماسك- محادثات مع كبار المشرعين في الكونغرس.
كما ينخرط مجموعة من قيادات السياسة والمبعوثين التابعين للرئيس المنتخب في مناقشات مع نظراء رئيسيين في مختلف أنحاء العالم.
ومن المتوقع أن تكون أولويات ترامب القصوى في أول 100 يوم ما يتعلق بملفات (الضرائب والميزانية، والتجارة، والحدود والهجرة، والدولة العميقة، علاوة على العلاقات الخارجية).
الضرائب والميزانية
بمجرد أن يضع ترامب قدمه في المكتب البيضاوي، فسوف يتعين عليه إطلاق مفاوضات بشأن حزمة سياسة مالية بمليارات الدولارات لتمديد التخفيضات الضريبية الشاملة التي أقرها في العام 2017، والتي من المقرر أن تنتهي في العام المقبل.
مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، فإن ترامب سيكون في وضع جيد للحصول على ما يريد، ولكن المناقشات قد تكون محفوفة بالمخاطر.
بالإضافة إلى تمديد التخفيضات الضريبية الفردية، دعا ترامب إلى إلغاء ضريبة الدخل على الإكراميات، والعمل الإضافي، ومزايا المعاشات التقاعدية الحكومية ــ وإلى خفض إضافي في الضرائب على الشركات المصنعة في الولايات المتحدة.
كما تعهد بإلغاء الإعفاءات الضريبية للطاقة النظيفة التي أصدرها الرئيس جو بايدن - وهي الخطوة التي يحذر منها بعض الجمهوريين.
وتدور تساؤلات حول ما إذا كان ترامب سوف يربط تخفيف الضرائب مع تخفيضات الإنفاق الحكومي التي اقترحها ماسك ووكالته، "إدارة كفاءة الحكومة"، والتي من شأنها أن تقلل من التأثير على العجز ولكنها ستؤدي أيضا إلى خفض العديد من البرامج الفيدرالية الكبرى.
التجارة
أطلق ترامب شرارة الحروب التجارية التي من المرجح أن تهيمن على العام 2025، مشيرا إلى استخدام عدواني للغاية للرسوم الجمركية ضد حلفاء الولايات المتحدة وخصومها، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي، بحسب التقرير.
استشهد ترامب بسياسات فرض القيود على الحدود المتراخية، وهدد جارتيه كندا والمكسيك بفرض رسوم بنسبة 25 بالمئة على وارداتهما، وحذر من فرض تعريفات جمركية إضافية على السلع الصينية.
ورغم أن رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تحدثا على عجل مع ترامب في محاولة لنزع فتيل الأزمة الوشيكة، فمن غير الواضح ما إذا كان سيتراجع.
هدد ترامب أيضاً دول مجموعة البريكس بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 بالمئة إذا ابتعدت عن الدولار - وهو تهديد كبير آخر قد يتصرف بناءً عليه في أوائل العام المقبل.
ولم يوضح ترامب ومساعدوه ما إذا كانوا سيطبقون مخططه لفرض رسوم تصل إلى 20 بالمئة على جميع الواردات، ومدى سرعة ذلك.
الحدود والهجرة
كان محور حملة ترامب للبيت الأبيض للعام 2024 هو تعهده بإطلاق حملة واسعة النطاق ضد المهاجرين غير المسجلين من خلال الترحيل الجماعي، وإنشاء مرافق الاحتجاز، وربما استخدام الجيش.
بحسب مركز دراسات الهجرة، سيكون هناك 11.7 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة في عام 2023، ومن شأن القيام بمثل هذه العملية الضخمة أن يخلق اضطرابات واسعة النطاق في العديد من المجتمعات ويضرب القوى العاملة في الولايات المتحدة.
أشار كبار مساعدي ترامب والمسؤولين، بما في ذلك نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، إلى أنهم لا ينوون القبض على كل مهاجر غير موثق على الفور ولكنهم سيبدأون في البداية بإزالة مليون شخص، مع إعطاء الأولوية لترحيل المجرمين العنيفين.
الدولة العميقة
ترامب هدد بالانتقام من خصومه السياسيين بالإضافة إلى فرض إجراءات صارمة على الموظفين في الخدمة المدنية الفيدرالية، الذين يطلق عليهم على نطاق واسع اسم "الدولة العميقة"، والذين لا يتفقون مع سياساته.
عديد من التعيينات المثيرة للجدل مثل راسل فوغت مديرا للميزانية، وكاش باتيل لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وتولسي جابارد مديرة للمخابرات الوطنية، كلها تتفق تماما مع هذه الأهداف ــ وهي إشارة إلى أن ترامب جاد في السعي إلى تحقيق هذا التعهد.
كما سيدفع ماسك ترامب إلى متابعة ما يراه المقربون من الرئيس المنتخب بمثابة تطهير للبيروقراطية الفيدرالية.
بمجرد توليه منصبه، سيتعين عليه أن يزن مدى قوة اقتلاع الموظفين المدنيين، في حين سيتعين على بام بوندي، مرشحته لمنصب النائب العام، أن تقرر ما إذا كانت تريد المضي قدماً في ملاحقة المسؤولين السابقين في إدارة بايدن الذين اصطدموا بترامب في السنوات الأخيرة.
رسوم ترامب التجارية تثير موجة قلق في العالم
السياسة الخارجية
خاض ترامب حملته الانتخابية باعتباره صانع سلام يمكنه حل النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط التي عصفت بجزء كبير من رئاسة بايدن - وسوف يكون تحت ضغط من الناخبين للوفاء بسرعة بهذا التعهد.
أعطى ترامب مباركته لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وأرسل ستيف ويتكوف، المستثمر العقاري ومبعوثه إلى المنطقة، لمحاولة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
كما حاول ترامب الضغط على حركة حماس، محذرا من أن "الثمن باهظ" إذا لم تطلق سراح المحتجزين الإسرائيليين المتبقين.
كما عين ترامب كيث كيلوج، وهو جنرال متقاعد ومسؤول سابق في إدارته الأخيرة، لمحاولة التوسط في تسوية بين روسيا وأوكرانيا - وهو ما تعهد به خلال حملته الانتخابية بالقيام به في غضون 24 ساعة من توليه منصبه.
أداء مماثل لفترته الأولى
من جانبه، قال رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets ، جو يرق ، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن المتوقع من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مع عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الجديدة، أن يكون مشابهاً إلى حد كبير لبداية ولايته الأولى؛ حينها، شهدنا توقيعه على 30 أمراً تنفيذيًا و22 قانوناً في أول 100 يوم، حيث ركز بشكل كبير على قضايا الهجرة والأمن.
وأوضح أن حملة ترامب الانتخابية الأخيرة عكست التركيز ذاته، خاصة فيما يتعلق بالهجرة وأمن الحدود. كما أشار إلى وعده بفرض ضرائب إضافية بنسبة 25 بالمئة على كندا والمكسيك، ورسوم تتجاوز 60 بالمئة على الصين، ما يعكس ربطاً واضحاً بين الأمن والسياسات الاقتصادية.
وعن فريق عمل ترامب، يرى أن تعييناته ستكون أساسية في تشكيل الأولويات التنفيذية لإدارته، مع التركيز على الاقتصاد وتخفيض التكاليف الحكومية. كما يُتوقع أن يتم الإعلان عن إجراءات قد تُخفض الموازنة الأميركية (..) كذلك، من المحتمل أن تشمل هذه الإجراءات قضايا الهجرة، مثل إعادة المهاجرين غير الشرعيين، وتخفيض الضرائب على الشركات، والتي وعد بخفضها من 21 إلى 15 بالمئة.
وأضاف يرق: "أول 100 يوم لأي رئيس تُعتبر فترة محورية لوضع بصمته الخاصة، ولكن مع اعتبار أن ترامب ستكون هذه آخر ولاية له، فهو بالتأكيد سيعمل على ترك إرث يُخلد كـ "العصر الذهبي" الذي يعيد أميركا إلى قوتها الاقتصادية والسياسية"، مؤكداً أن البيئة السياسية الأميركية الحالية، قد تمنحه سهولة كبيرة في تمرير أجندته وتنفيذ وعوده بشكل سريع.
الرسوم الجمركية .. كابوس يرعب الصين
تحرير الاقتصاد
وعن السياسات الأخرى التي يتوقع مستشار ترامب، ستيفن ميلر، رؤيتها في أول 100 يوم من إدارة ترامب الثانية، قال: "ستكون هناك إصلاحات في مجال الطاقة، وربما إصلاحات حدودية إضافية".
وتابع ميلر: "عندما يتولى الرئيس ترامب منصبه على الفور، فإنه سيعمل على تحرير سوق الطاقة بالكامل، وتحرير السوق المالية بالكامل، وتحرير الاقتصاد بالكامل. وسوف تحصل على دفعة من نمو الوظائف وخلق فرص العمل وتخفيف التضخم من خلال أجندته لتحرير الاقتصاد على نحو لم يشهده أي شخص من قبل"، وفق نيوزويك.
الملفات الاقتصادية
بدوره، أوضح مدير مركز رؤية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الملفات الاقتصادية تحظى بأولوية كبرى في أول 100 يوم لترامب، ذلك أنه من المتوقع أن يتبنى الرئيس المنتخب سياسات تخفيض ضريبي كبير، بالإضافة إلى تعزيز حماية المنتج الأميركي من المنافسة الأجنبية، خاصة من الصين.
وأفاد بأن هذه الحماية قد تشمل مراجعة الاتفاقيات التجارية السابقة واتخاذ خطوات صارمة لدعم القطاعات الصناعية الأميركية مثل قطاع السيارات، الذي يواجه تحديات كبيرة، مضيفاً: ترامب سيسعى إلى الإنفاق بشكل موسع على مشروعات البنية التحتية لتطوير الاقتصاد الأميركي، مما يعزز نموه واستقراره.
أما فيما يخص ملف الهجرة، فتوقع شعيب أن يعمل ترامب على تشديد القيود لمنع الهجرة غير الشرعية، خاصة القادمة من منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، أكد أن هذا الملف سيحظى باهتمام خاص من ترامب، نظرًا للانتقادات التي وُجهت إليه خلال ولايته الأولى، خاصة أثناء جائحة كورونا، التي أظهرت نقاط ضعف كبيرة في النظام الصحي الأميركي. كما أشار أيضًا إلى أن ملف السياسة الخارجية، لجهة مراجعات للموقف مع إيران، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة.