اختلطت الأوراق أكثر فأكثر في وعاء الاستحقاق الرئاسي على وقع مواقف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي اطلق على مقربة من جلسة 9 كانون الثاني محاولة للتفكير خارج «خارج الصندوق»، قبل وضع الأوراق في صندوق الاقتراع النيابي.
بينما كان كثر قد توقّعوا أن يعلن فرنجية عن انسحابه من المعركة الرئاسية لمصلحة قائد الجيش العماد جوزف عون أو النائب فريد الخازن، أتت إطلالته في سياق مختلف تماماً، بعدما أكّد الرجل الاستمرار في ترشيحه، الّا إذا تمّ التوافق على شخصية وازنة تتناسب مع تحدّيات المرحلة والمستقبل، وبالتالي تستحق ان ينسحب لها.
وقد بدا فرنجية عبر مقاربته لمواصفات الرئيس المقبل ومعايير التوافق المقبول وكأنّه رمى حجراً في مياه راكدة، ونقل النقاش حول الملف الرئاسي إلى مستوى مختلف عمّا هو سائد.
وكان واضحاً أنّ ضخامة الأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا تركت تأثيراً كبيراً على نمط تفكير فرنجية، الذي يعتبر أنّ ملاقاة التحولات الهائلة باتت تتطلّب رئيساً من الوزن الثقيل وليس من وزن الريشة، خصوصاً أنّ رياحاً إضافية ربما تهبّ على لبنان والمنطقة لاحقاً.
ولدى فرنجية اقتناع بأنّه لا يجوز بعد استشهاد السيد حسن نصرالله وانهيار النظام في سوريا الاستمرار في خوض السياسة ومقاربة الاستحقاقات وفق القواعد السابقة والبالية، حتى لو تطلّب الأمر بعض المجازفة من خلال اقتحام المجهول وطرح خيارات غير نمطية، تكون قادرة على ابتكار مسارات خلاّقة في الداخل ومواكبة التحول الجيو - سياسي في الخارج.
ولئن كان خيار التوافق يدغدغ عواطف البعض، خصوصاً أنّه يسمح بتأمين أوسع التفاف وطني حول الرئيس المفترض، الّا أنّ ما يخشاه فرنجية هو أنّ الرئيس التوافقي التقليدي سيكون ضعيفاً ورخوا، لأنّه سيحتاج في استمرار إلى رضى الجميع لكي يستطيع أن يحكم، وسيصل إلى قصر بعبدا مثقلاً بديون ومستحقات سياسية للقوى التي دعمته، وبالتالي سيمضي ولايته في تسديدها مع «فوائدها» وأضرارها.
وبهذا المعنى، أراد فرنجية أن يوصل رسالة مفادها أنّ أولوية التوافق لا يجب أن تبرر القبول بأي رئيس كان، والمرشح الذي يمكنه أن يجمع حوله أكبر عدد من الاصوات النيابية ليس هو الأفضل دائماً بالضرورة، بل لعلّه سيكون الأضعف.
ولئن كان فرنجية قد أبدى استعداده المبدئي للانسحاب من السباق الرئاسي، الّا أنّه ترك هامشاً لاحتمال حصول مفاجأة توصله إلى بعبدا من خلال الإعلان عن استمراره حالياً في الترشح، أما إذا تعذّر ذلك نتيجة تبدّل الظروف المحلية والإقليمية، فهو يرفض أن يكون انسحابه مجانياً، بل ربطه بثمن مرتفع يتمثل في التوافق المسبق حول اسم عليه «القدر والقيمة».
والأكيد أنّ رئيس «المردة» نجح عبر تمديد مفعول ترشيحه حتى إشعار آخر في تحسين موقعه التفاوضي على الاسم البديل، سواء مع الحلفاء ام الخصوم، خصوصاً أنّ استعداده للتنازل عن ترشيحه سيعزز دوره كشريك في صنع الرئيس المقبل.
ومع أنّ فرنجية لم يخض مباشرة في الأسماء المؤهلة، وفق معاييره، لتولّي سدّة الرئاسة، الّا أنّ المراقبين يعتبرون انّه ترك الباب موارباً بنحو او بآخر أمام جوزف عون، وحتى أمام شخصيات أخرى تخاصمه في السياسة، لكن تنطبق عليها مقاييس التعاطي مع متطلبات المرحلة الجديدة التي لا تصح مواجهتها بأدوات قديمة وفق مقاربة بنشعي.
يبقى أنّ من المفارقات التي يلفت إليها المتحمسون لفرنجية هو انّ الرجل، وعلى رغم من الأثمان التي دفعها جراء انتمائه إلى «المحور»، والأعباء المترتبة على تحوّله أحياناً رأس حربة في المعارك السياسية والاستراتيجية لهذا الخط، غير أنّ «المحور» لم يستطع لا في عزّ قوته ولا الآن إيصاله إلى رئاسة الجمهورية.