<
24 December 2024
عن أيّ سوريا نتحدّث؟- (إبراهيم الأمين)

الأخبار: ما يُريده السوريون وما يُريده الآخرون، ومنهم نحن في لبنان، تبقى مسائل خلافية، لا تقف عند الحدود الجغرافية. حتى قول أحمد الشرع إن الحكم الجديد سيقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، سبق أن قاله كل المسؤولين الذين تعاقبوا على مواقع الحكم في سوريا.

 

الفكرة لا تتعلّق بالنيّات، بل بالحقائق التي تمنع سوريا من أن تكون حيادية في لبنان. والحديث هنا ليس عن البرازيل أو أندونيسيا. الحديث هنا عن ساحة وشعب فيهما حضور سوري مكثّف، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.

 

ومن الخطأ التصرّف على أساس أن هناك حياداً حقيقياً سيقوم، لأن فكرة أن تتصرّف سوريا على أساس أن لبنان بلد مستقل فعلياً، مناقضة لقواعد العمل السياسي، وليس في هذا الكلام أيّ دعوة إلى سوريا للتدخل في شؤون اللبنانيين، بل هدفه القول إن تشابك المصالح بين البلدين يفرض علاقات خاصة، وعبارة «العلاقات المميّزة»، التي وردت في اتفاق الطائف، لم يفرضها حافظ الأسد لأنه لم يكن يحتاج أصلاً إلى نيل شرعية من أي سلطة في لبنان للقيام بدوره الكبير في الساحة اللبنانية.

 

وحتى عندما أعلن بشار الأسد إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، فإنّ السفارة اللبنانية في دمشق والسفارة السورية في بيروت خصّصتا لبعض المعاملات التي تتعلق بالرعايا لا أكثر ولا أقلّ. وإذا عاد النازحون السوريون إلى بلادهم، فستجد السفارة السورية نفسها بلا عمل.

 

الموقف من إسرائيل ليس ترفاً أو خارج الأولويّات فلا استقلال حقيقياً لمن يتعايش مع الاحتلال ولا مكان لحياد تجاه لبنان


المشكلة الآن تكمن في أن المسؤولين السوريين الجُدد (سيبقى تعريفهم على هذا النحو، حتى يتحوّلوا إلى سلطة بديلة) لا يملكون تصوّراً خاصاً للعلاقات مع محيط سوريا. هم يعرفون، ويتصرّفون، على أساس أن تركيا هي الطرف الوحيد المجاور الذي يمكنه أن يسرح ويمرح في مدن سوريا، وأنها صاحبة الكلمة الفصل في ملفات كثيرة.

 

ولا توجد أيّ إشارة بأنّ حلفاء تركيا الذين أسقطوا نظام البعث يسيرون في طريق الانفصال عن شبكة الأمان التركية، بل على العكس، فإن المقدّمات حول مسار بناء السلطة الجديدة تشير إلى حاجة هذه المجموعة السورية إلى كلّ أشكال الدعم، من إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية وقوات الشرطة، إلى الإطار القانوني الذي سينظّم عمل المحافظات والعمل البلدي في كلّ سوريا.

 

وإلى جانب ذلك، ثمّة حاجة سورية هائلة لمساهمة تركيا في ورشة إعادة بناء الدولة، من بنى تحتية، ومن نظام اقتصادي، ومن سياسات مالية ونقدية. ولن تقبل تركيا بأن يكون هناك معبر غيرها لوصول أيّ نوع من أشكال الدعم للسوريين، سواء كانوا على شكل أفراد أو جماعات أو على صعيد الدولة.


بهذا المعنى، يمكن تقدير تموضع سوريا الجديد. وإذا كان من غير المتوقع أن يصدر عن الحكام الجدد أيّ كلام عن سعي لعلاقات مع إسرائيل، فإنه سيكون من الصعب أيضاً توقع مواقف معادية لإسرائيل، أو متضامنة بقوة مع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

 

وبالطبع، سيكون من السذاجة تصوّر خطوات من جانب الحكم لمواجهة توسع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا، علماً أن هذا التوسع لم يتوقف، وهناك مؤشرات إلى احتمال أن يتّجه أيضاً صوب غرب سوريا، وتحديداً باتجاه الحدود مع الأردن والعراق، باعتبار أن العدوّ يعتبرها مصدر خطر على أمنه.

 

الناتج الأول بين أيدينا، هو أن سوريا باتت خارج دائرة التماس في الصراع العربي - الإسرائيلي، ومن يطلب منا، من السوريين أنفسهم، مواطنين كانوا أو مسؤولين، عدم إحراجه بإثارة الموضوع، فعلى هؤلاء تذكّر أن العداء لإسرائيل كان وسيبقى المؤشر على الاستقلال الفعلي لدول الطوق. ومن يرفض هذا المنطق، ليس عليه سوى النظر إلى أحوال لبنان ومصر والأردن.


كذلك، تواجه سوريا، ومعها نحن، استحقاقاً داهماً يتعلق بموقعها في اهتمامات الإدارة الأميركية الجديدة. صحيح أن دونالد ترامب قال كلاماً فهمه البعض على أنه «لامبالاة» بالحدث السوري، إلا أن التصرف العملي للإدارة الجديدة لن يتوقف بالضرورة عند ما قاله الرئيس المنتخب. فمصالح الدنيا كلها موجودة الآن في سوريا. ولا أحد قادر على حسم الوجهة الأميركية وما إذا كان يوجد في دفتر طلبات واشنطن من الحكم الجديد خطوات معيّنة تخصّ لبنان، ولا سيّما أن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل لا تكتفيان بإقفال طرق الإمداد العسكرية للمقاومة في لبنان، بل تريدان ما هو أكثر من ذلك. والخطورة ستطلّ برأسها إن فكّر الأميركيون بدور سوري جديد في لبنان، وخصوصاً أن الحرب الأخيرة أظهرت للأميركيين أنه يصعب العثور في لبنان على قوة قادرة على تحمّل مواجهة مباشرة مع حزب الله.

 


كل ما سبق يعيدنا الى المربع الأول. إذ إن الموقف من إسرائيل لا يشكّل عنواناً ثانوياً، ولا يمكن تجاهله، حتى ولو أراد ذلك سوريون بحجّة انشغالهم بأمورهم الداخلية، أو حتى إن تذرّع البعض بأن البلاد ليست مستعدة لتحمّل الكلفة الباهظة لمواجهة إسرائيل.

 

والتحدّي قائم، لأنّ العدوّ نفسه لا يبدو مردوعاً كفاية، وقد يقوم بمزيد من الأعمال العدائية ضد سوريا ولبنان، وربما يقوم هذه المرة بالاعتداء على لبنان مستخدماً الأراضي السورية، وهنا مصدر القلق الأكبر. إذ إن الحكم الجديد في دمشق تعهّد للعالم بأن لا تكون سوريا مصدر تهديد لأيّ دولة في العالم، بما في ذلك إسرائيل، لكنه لم يقل لنا كيف سيتصرّف إذا استخدمت إسرائيل سوريا مصدراً لتهديد الآخرين!

الأخبار