هو ميلادٌ يحلُ على لبنان بين طي مرحلة وولادة أخرى، قد تكون "من الخاصرة" على ما روى المسلسل السوري الشهير حكاية النظام الأمني السوري وصراعه مع معارضيه.
وهي فعلاً ولادةٌ صعبة. فالخاصرة اللبنانية نزفت بشدة بعد "حرب أيلول" الإسرائيلية، إيذاناً بتأكيد السيطرة الأميركية على المشرق من شواطئ غزة وصولاً إلى بغداد، وربما محاصرة إيران نفسها، وذلك بعد تدمير النفوذ الإقليمي لطهران في شكلٍ كبير.
ومخاض بناء الدولة اللبنانية، لتؤدي وظيفتها الداخلية، والخارجية ضمن النظام الإقليمي الجديد، وصل إلى مشارف الولادة، التي يأمل متابعو التجارب السابقة، أن تكون نتيجة توافق داخلي، لا تحد سيؤدي حكماً إلى الفشل، على ما أوضح رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أمس الإثنين. والتوافق، يناقض كل نظريات التحدي، لا بل الإستنتاج الإعلامي المتسرع بنجاح أحد المرشحين أو ذاك، فيما التواصل مفتوح بين كل الكتل، ومن بينها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
وفي الجوار السوري المتغيّر، ولادةٌ أخرى أيضاً "من الخاصرة"، يأمل محبو سوريا البلد والشعب، أن تأتي بالسلام والوحدة والإستقرار، وأيضاً، بدولةٍ مدنية تحترم التنوع العريق والبنيوي في تركيبة المجتمع السوري. ذلك أن الهواجس كثيرة، في ظل تركز السلطة في أيدي جهات متشددة تطلق كلاماً قد يكون برّاقاً، في الوقت الذي تناقض فيه الأفعال الأقوال.
فالهجمات المتكررة على رموز مسيحية، من المطرانيات إلى شجرة الميلاد، والأبشع، على أيدي جهاتٍ أجنبية وتحديداً أوزبكية، كما اعترفت أمس الإدارة الجديدة بعد إحراق شجرة مدينة السقيلبية، تثير أسوأ الهواجس، لدى مسحيي سوريا، لا بل لدى المكونات السورية، والمواطنين المؤمنين بأن الخلاص لا يكون إلا بدولة مدنية تعددية. لكن مسيحيي سوريا لم يلتزموا الصمت أو إعلان الطاعة، بل تظاهروا في دمشق ووادي النصارى، في وقت يقود البطاركة والمطارنة ورشة إعلامية وسياسية لترسيخ الدور الفاعل في دولة سوريا الغد، من دون تنازلٍ عن الثوابت.
والحال هذه، يصبح ميلاد 2024 حافلاً بالأسئلة حول المستقبل في ظل التحديات الكبرى، ولكن أيضاً، كما دائماً برجاء القيامة للبنان، والمشرق المعذَّب بالإحتلالات الخارجية منذ فجر التاريخ، وبالإدارة السيئة لدوله مع نشوئها شرعياً بعد انهيار السلطنة العثمانية عام 1918.