<
11 January 2025
الحكومة بعد الرئاسة: هل يقطع العهد مع الماضي أم تتجدَّد المنظومة؟

أنطوان الأسمر -


انتهت أزمة الرئاسة بـ ٩٩ صوتا جعلت العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، لتبدأ مرحلة جديدة مع الرئيس الرابع عشر، في ظرف تزداد فيه التحديات والاستحقاقات وتُعلّق آمال كبيرة وكثيرة بعد الضمور الذي أصاب المؤسسات والاقتصاد نتيجة السقوط. ولا ريب أن الرعاية الدولية والعربية التي بدت جلية في الترحيب الذي تلى مباشرة انتهاء جلسة الانتخاب، الى جانب الحضور الديبلوماسي الذي حضر في ساحة النجمة وشهد على التطور الرئاسي، ستسهم في منح زخم كبير للعهد الجديد، ولا بدّ أن تساعد في تيسير الحلول، أو بداياتها، لكمّ هائل من المشاكل، في مقدمها الأزمة المالية التي أنهكت اللبنانيين وتسبّبت مباشرة في هجرة مئات الآلاف بحثا عن أمن اجتماعي فقدوه منذ سنة ٢٠١٩. 

حدّد عون في خطاب القسم عناوين برنامجه الرئاسي للسنوات الست المقبلة، وهو البرنامج الذي بقي طيّ الكتمان طوال الفترة الماضية لأسباب عدة، منها موجب التحفظ الذي يحكم عمل قائد الجيش، والذي حتّم كذلك إقلالا في الكلام السياسي وفي الحضور كذلك.
اشتمل الخطاب على مجموعة عناوين وتعهدات طموحة، كان أبرزها جعل الدولة المحتكر الحصري للسلاح ضمن استراتيجية دفاعية لا ينافسها عليها أي فريق، والمعني هنا تحديدا هو حزب الله (واستطرادا والجماعات العسكرية غير الدولتية المرتبطة به)، من اتّخذ من مقاومة إسرائيل شعارا مركزيا له وعقيدة جعلا الحزب ينمو ويتوسّع ويبلغ مدى إقليميا غير مسبوق بالرعاية الإيرانية المباشرة. 
 
لا شكّ أن مقاربة عون سلاح حزب الله تشكل محطة ترقب بارزة والاستحقاق المتقدم بين غيره من الاستحقاقات. فهو أتى في مهمّة واضحة ومعلومة كرّسها في خطاب القسم، وتقوم على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار ١٧٠١، بدءا وليس انتهاء بجنوب الليطاني. يعني هذا حكما مصادرة الجيش اللبناني كل سلاح يقع في يده، وهو ما بدأ فعلا وتكثّف في الأسبوع الأخير. إذ تفيد المعطيات أن مستودعات عدة صادرها الجيش جنوب الليطاني بمشاركة اليونيفيل وبعلم ومعرفة اللجنة العسكرية لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار. هذا التطور سيسهم كذلك في تسريع الانسحاب الإسرئيلي من المناطق المحتلة في الشريط الحدودي بحلول ٢٧ كانون الثاني موعد انتهاء مهلة الستين يوما المحددة في الاتفاق. 

يدرك حزب الله تماما المغزى مما يحصل وما ينتظره من تحديات على هذا المستوى، من السلاح إلى العنوان الملتبس لدى اللبنانيين، إلى الدور السياسي المفترض أن يقتصر على الداخل، وفي حدود المرسوم له والمقبول، وهو بلا أدنى شك في انحسار متدرّج. ولا يفيد الحزب التظلّل بالتعابير الانشائية التي تخدم جمهوره حصرا ولمرحلة قصيرة ومحدودة. وبدت بوضوح تجليات هذا التغيّر الهائل في حجم الحزب ودوره على وجه نواب كتلة الوفاء للمقاومة حين تناول عون شأن سلاحهم في خطاب القسم، متقصّدا تكرار كلمة الدولة مرتين في سياق الحديث عن احتكارها الاستراتيجية الدفاعية. 

ولا تفيد كثيرا الثنائي الشيعي مناورة الدورتين الانتخابيتين في السعي إلى طمس وقع الخسارة، ولا البازار الذي أوحى به عشية ٩ كانون الثاني والذي افتتحه الثنائي الشيعي وصوّره على أنه الثمن للسير بعون. وشمل هذا البازار على ما ظهر، رئاسة الحكومة والوزراء الشيعة ووزارة المال وقيادة الجيش وثلاثية جيش وشعب ومقاومة، الآخذة في الانكماش.

يشكّل ملفا السلاح والإصلاحات، محور اهتمام الثنائي بالنظر إلى ارتباطهما المباشر بعلة وجود حزب الله وباستمرار حركة أمل. 

تبقى المحطة الأبرز بعد انتخاب الرئيس، اختيار رئيس للحكومة. وستحمل الاستشارات النيابية، بعد غد الإثنين، ليس فقط الإسم، بل الأهم النهج الذي ستسلكه السلطة التنفيذية، إما قطعا مع الماضي السيء الذكر، وإما استمرارا له. وتشكّل هذه المحطة اختبارا مفصليا تكاد تعادل أهميته أهمية انتخاب الرئيس. وبيّنت مشاورات الساعات الأخيرة أن مسألة اختيار رئيس الحكومة أخذت مداها المطلوب برعاية سعودية، على أن تحسم غدا الأحد حدّا أقصى، لينطلق بعدها مسار اختيار الوزراء القادرين على تطبيق ما هو مطلوب من الحكومة من إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، من دون إسقاط حقيقة أن الحكومة الأولى للعهد الجديد محدودة زمنيا بموعد الانتخابات النيابية ربيع سنة ٢٠٢٦.