بعد مضي عامين فقط عن نهاية الحرب الأهلية الأميركية، نجح وزير الخارجية الأميركي وليام سيوارد (William Seward) سنة 1867 في ضمان حصول بلاده على ألاسكا من روسيا عقب صفقة شراء بلغت قيمتها 7.2 مليون دولار. وفي الأثناء، سخرت العديد من الصحف الأميركية من هذه الصفقة وتحدثت عن شراء سيوارد لكتلة من الجليد مقابل ملايين الدولارات بفترة صعبة من تاريخ البلاد.
وفي الأثناء، لم يتوقف وليام سيوارد عند ألاسكا. فخلال نفس الفترة، كانت لدى الأخير طموحات بالاستحواذ على غرينلاند ضمن صفقة مشابهة.
فشل سيوارد في شراء ألاسكا
منتصف القرن التاسع عشر، مثلت غرينلاند أرضا مجهولة بالنسبة للأميركيين حيث لم تتوفر العديد من المعلومات عنها. ولهذا السبب، طالب وزير الخارجية الأميركي وليام سيوارد بإجراء مسح وجمع أكبر عدد ممكن من المعطيات عنها بهدف تقديمها للرأي العام الأميركي.
وتماما كما فعل سابقا مع ألاسكا، روج سيوارد لفكرة تواجد موارد طبيعية وفيرة بغرينلاند حيث وصفها بالجزيرة الكبيرة التي تمتلك كميات هائلة من الحيتان والفقمات وسمك القد والسلمون والذئاب والثعالب إضافة لعدد هائل ولا يحصى من الطيور. أيضا، تحدث سيوارد عن تواجد كميات لا متناهية من الفحم بالعديد من النقاط على الساحل الغربي لغرينلاند مؤكدا على سهولة استخراجه بأقل التكاليف.
إلى ذلك، كللت محاولة سيوارد لشراء غرينلاند بالفشل. فبتلك الفترة، كان وليام سيوارد والرئيس أندرو جونسون محل سخرية الصحف الأميركية بسبب صفقة ألاسكا حيث وصفت هذه الصفقة حينها بحماقة سيوارد وصندوق الثلج الخاص بسيوارد وحديقة الدب القطبي الخاصة بأندرو جونسون. إضافة لذلك، لم يكن لدى الكونغرس الأميركي أية رغبة في شراء مزيد من الأراضي الجليدية المتجمدة.
محاولات عديدة بالقرن العشرين
وخلال العام 1910، عادت قضية غرينلاند مرة أخرى للواجهة. فبتلك الفترة، عرض السفير الأميركي بالدنمارك موريس إيغن (Maurice Egan)، من خلال رسالة لوزارة الخارجية، خطة ثلاثية للحصول على غرينلاند مستغلا رغبة الدنمارك في استعادة مناطق شليسفيغ هولشتاين (Schleswig-Holstein) التي كانت قد خسرتها سنة 1864 لصالح البروسيين وحلفائهم من الاتحاد الألماني.
وبهذه الخطة، عرض إيغن حصول الولايات المتحدة الأميركية على غرينلاند بمرحلة أولى، وحصول الدنمارك على جزر الفلبين، التي كانت مستعمرة أميركية حينها، بمرحلة ثانية. وبالمرحلة الثالثة، تقوم الدنمارك بمقايضة الفلبين مع الألمان مقابل حصولها على شليسفيغ هولشتاين.
إلى ذلك، لم تتخذ السلطات الأميركية أية إجراءات لتطبيق خطة إيغن الثلاثية. وفي المقابل، اشترى الأميركيون سنة 1917 جزر العذراء من الدنمارك مقابل حوالي 25 مليون دولار.
وخلال الحرب العالمية الثانية، لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في التدخل بغرينلاند واحتلالها سنة 1941 عقب قيام الألمان باحتلال الدنمارك. وبتلك الفترة، تدخل الأميركيون بهذه الجزيرة الثلجية لمنع سقوطها بيد الألمان. وخلال الحرب، استغل الحلفاء غرينلاند كمنطقة هبوط للطائرات حيث هبطت بها حوالي 10 آلاف طائرة للتزود بالوقود قبل مواصلة طريقها لقصف المدن الألمانية.
ومع نهاية الحرب، أثبتت غرينلاند مكانتها كموقع استراتيجي بالمحيط الأطلسي. ولهذا السبب، عرض الأميركيون سنة 1946 مبلغ 100 مليون دولار من الذهب لشراء غرينلاند. إلى ذلك، أثارت محاولة الشراء غضب الدنمارك التي أكدت حينها أن غرينلاند ليست للبيع.