أبصرت الحكومة النور بشق النفس، وذلك بعد حوالي أربعة أسابيع من التكليف حتى كدنا نظن أن الرئيس المكلف لن يستطع من التأليف وهو حتماً سائر نحو الاعتذار، وفجأة حدثت المعجزة واستطاع الرئيس المكلف بدعم واضح ممن يقف وراءه من إتمام المهمة ومن تشكيل حكومة العهد الأولى، التي جاءت كصورة منقحة من الحكومات السابقة ومن كل حكومات ما بعد الطائف، بحيث أن الهم الكبير الذي غلب عليها هو التوازن الطائفي بين مكوناتها، بل إنها جاءت بصيغة معادة تعتمد على حلف رباعي واضح مكون من الثنائي والاشتراكي والقوات والسني "لذي لم يسمهم زعماء السنة التقليديون"، وكأن الطائف لا ينص على وجوب تشكيل حكومة وحدة وطنية، تمثل كل أطياف المجتمع لا سيما كل الأحزاب والقوى السياسية التي تشكل المجلس النيابي. فالحكومة مجتمعة وكما جاء في دستور الطائف تمثل السلطة التنفيذية التي يعود إليها حصراً كل القرارات السياسية، ولا سيما رسم الاستراتيجيات لا سيما المالية والاقتصادية، والإشراف على حسن تطبيق الاتفاقات الدولية وإن كان رئيس الجمهورية هو من يوقعها، والأنكى من كل ذلك فإن مهمة الاشراف على الانتخابات النيابة المقبلة وإجرائها منوط بهذه الحكومة. أضف إلى ذلك الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، من لا تطبيق لوقف إطلاق النار جنوباً واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية التي تجاوزت الجنوب لتصل إلى عمق البقاع وجرود الهرمل وبالإضافة إلى الوضع الجنوبي، وهنالك أيضاً وضع الحدود الشرقية التي بدأت تشهد اعتداءات سورية منظمة على بعض القرى اللبنانية ناهيك عن شبح التوطين الجديد القادم من غزة والنزوح السوري الشبه دائم، ويتضح من كل ذلك أنه كان ينبغي إشراك الجميع فيها سيما وأنه تعذر تشكيل حكومة حيادية للانتخابات.
الصبي ما في إلا لخالته
فبالرغم من الدعم اللامحدود الذي قدمه التيار الوطني الحر وبالرغم من سير التيار بعكس إرادة الثنائي بالتأييد العلني للقاضي نواف سلام، في حين كانت القوات تريد فؤاد مخزومي فيما الثنائي كان يراهن على عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. ومن المعروف أن القوات والثنائي لم يسيرا بتأيدد سلام إلا بعد ضغوطات كبيرة مورست عليهم من قبل الخماسية من جهة ومن قبل الراعي الأميركي بصورة محددة، أما خيار التيار فكان بعيداً عن الضغوطات التي لم يرضخ لها إبان انتخاب الرئيس جوزف عون، فعارض هذا الانتخاب من منطلق مبدئي نابع من قناعة التيار بعدم جواز إجراء تعديل دستوري لصالح شخص واحد، والتيار نفسه قد اختار القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة عن قناعة لا أكثر ولا أقل. وفي الليلة الليلاء تم طعن العجل الأبيض وتم استبعاد التيار الوطني الحر الذي مورست بحقه كل أنواع التمييز بحيث أن التيار الوطني الحر أصبح خارج التشكيلة وكأن المطلوب هو إقصائه، في مشهدية يستشف منها إرادة الانتقام من مكون أساسي كما أكد أكثر من مرجع وأكثر من محلل.
حكم وحكومة يسيران بدعم خارجي
هكذا وبدون لف ودوران وكما في دستور الطائف الذي أوجب وجوب عراب له لكي تطبق بعض بنوده ومنها انتخاب الرؤساء وتشكيل الحكومات، إلى ما هنالك من قرارات أساسية تتعلق بتسيير شؤون البلاد والعباد. وتبعاً لذلك وبعد الغياب القسري للراعي السوري وبالتالي غياب مرجعية عنجر ورستم غزالي وما سبقه، كان لا بد من إيجاد والٍ جديد وهذا الوالي تظهر جلياً بالحضور القوي لنائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط السيدة مورغان أورتاغوس، التي كان لها الدور المؤثر في تسريع ولادة الحكومة وفرض حكومة أمر واقع تتجاوز كل العقبات ولا تأبه بالمحرمات.
أما بعد
وهنا لا بد من كلمة مبروك للحكومة الجديدة وكل أعضائها ولا سيما الحصة النسائية الوازنة فيها، ولكن وبعد الانتهاء من الأفراح والليالي الملاح والتمنيات بالبنين والبنات، وبعد عجقة العرس كما يقال بالعربي الدارج، فهل تستطيع هذه الحكومة الاضطلاع بدورها الإصلاحي؟ وهل تستطيع هذه الحكومة الخروج من نمط البيانات الوزارية السابقة؟ والأهم من كل ذلك هل تستطيع هذه الحكومة من مواجهة المافيا المالية الاقتصادية التي سطت على أموال المواطنين ومدخراتهم وجنى عمرهم؟ ويبقى الأهم الأهم هل تستطيع هذه الحكومة من البدء بإرساء الدولة المدنية بكل مندرجاتها ونقل لبنان من دولة الطوائف إلى دولة المواطنة؟ كلها أسئلة مشروعة وهي تمثل انتظارات اللبنانيين التي بدونها يبقى التغيير مجرد أسلوب إنشائي لا أكثر ولا أقل. كلنا أمل أن يتم ذلك وأن يتمكن البلد من السير بخطوات جبارة نحو الحداثة.