<
24 February 2025
ممنوع التشاؤم ولكن لن نفرط بالتفاؤل! -حبيب البستاني

حبيب البستاني-

أما وقد انتهى يوم تشييع سيد شهداء المقاومة على خير، وكما كان متوقعاً جاء هذا الحدث ليؤكد المعلوم وهو أن المقاومة ما زالت تحظى بكامل بيئتها الحاضنة وأن الجمهور الشيعي ما زال بأكثريته المطلقة مؤيداً للحزب وطروحاته ومبايعاً حزب الله كممثل أكبر للمقاومة وناطق أول بإسم الشيعة. ولم تنفع كل محاولات النيل من جمهوره وتشويه صورته حتى أن العدو الإسرائيلي عبر عن عدم رضاه عن هذه المشهدية، فالعدو مع داعميه كان ينتظر من الشيعة أن ينتفضوا ضد من تسبب بالخسائر البشرية الهائلة والدمار شبه الكامل الذي طاول معظم قرى وبلدات الجنوب، فإذا بالشيعة يشيرون صراحة بأن مسؤولية الدمار والقتلى تقع على عاتق جيش الاحتلال بالدرجة الأولى. وكانت متابعة معظم اللبنانيين ومشاركة عدد من ممثليهم في هذا الحدث جاءت لتؤكد الاحترام الكبير الذي يحظى به قائد المقاومة، وذلك بغض النظر عن جملة أخطاء التي تم ارتكابها إن بالنسبة لإعلان حرب الإسناد، وإن بالنسبة لعدم التزام الحزب صراحة بمحاربة الفساد والعمل الجدي في سبيل بناء دولة المؤسسات، كل هذه الانتقادات تناساها اللبنانيون في هذا اليوم العظيم فكانت الصورة الجامعة خير دليل على أنه ما من لبناني إلا ويؤيد حق الناس في مقاومة العدو خاصة إذا كان العدو محتلاً للأرض ومغتصباً للحقوق.
بيان حلو لكلام
في هذه الأجواء يبرز البيان الوزاري ومناقشته في المجلس النيابي والذي يعتبر ممراً إلزامياً على طريق نيل الحكومة الثقة، مع ملاحظة طلب حوالي 60 نائباً لحق الكلام، فكل نائب يريد أن يدلي بدلوه والذين لا يتقنون فن الكلام استعانوا بكتبة ومستشارين لتلقينهم الخطاب كلمة كلمة لا بل حرفاً حرفاً، فالمخارج مهمة والتنوين والحركات أهم سقى الله سيبويه وسقراط، ولولا الطقس العاصف لذهبوا إلى الشاطىء للتدرب. إذن الجميع جاهز وهو يريد أن يكون له الكلمة الفصل في التمحيص والتفنيد والتأييد، لا سيما من أولئك المحسوبين على بعض الجهات "الخارجية" ولما لا. هكذا كان وهكذا سيبقى المجلس النيابي ونوابه ساحة للمبارزة الكلامية وهو سيكون أشبه بسوق عكاز، فالكلام الحلو الذي صيغ به البيان بحاجة لخطب بليغة، لا يسمعها إلا بعض الأزلام والمحسوبين الذين يُطلب منهم المتابعة وإبداء التقريظ والإعجاب، ومن ثم سيصار إلى صياغة بعض التغريدات ولما لا. وقد حمل البيان كل المفاهيم والأفكار التي تجمع اللبنانيين وللأسف لا تتطرق للمواضيع التي يختلفون حولها والتي لا بد من حلها، فلنيل الحكومة الثقة لا بد أن ترضي الجميع وهي في التشكيل كانت قد رضخت لهذا المبدأ، فتم إرضاء الثنائي وإعطائه المالية وحتى تسمية الوزراء، وقد ارضت الدروز الذين كان للبيك الكلمة الأولى والأخيرة في الاختيار، أما السنة فقد تم اختصارهم بدولة رئيس الحكومة فالحريري الممثل الأكبر لهم غائب، أما المسيحيين فتم الاستعانة بقسم منهم يتلقى توجيهاته من مرجعيات وازنة، وهكذا فالثقة مؤمنة وحلو الكلام تحصيل حاصل.
ماذا عن الإصلاح
لقد تطرق البيان الوزاري إلى مكافحة الفساد ولكن يبقى السؤال كيف؟ فإذا كان الجميع متفق على الإصلاح فإن الطريقة تختلف، فالبيان وللأسف لم يأت على ذكر موضوع التدقيق الجنائي، وهو موضوع اساسي يتضمن ليس فقط كشف الحقائق وإنما تسمية المسؤولين والمتورطين بالهدر والفساد والسرقة، وكانت المفارقة ان يطالب رئيس الحكومة بالمراقبة الذاتية من قبل الإدارة، بينما التدقيق الجنائي إذا طُبق فهو كفيل بهذا، فهل المطلوب هو الإفلات من المحاسبة ووضع جانباً مبدأ الثواب والعقاب. اما في موضوع المصارف فلقد استجاب البيان للمطالب الخارجبة لجهة إعادة هيكلة المصارف وهذا جيد، ولكن ماذا عن مطالب الغالبية العظمى من اللبنانيين الذين يريدون محاسبة أصحاب المصارف والمسؤولين الماليين إن في المصرف المركزي أو غيره. هنالك مبدأ عام ربما لم يشر إليه البيان الوزاري والذي يقضي ليس فقط بإعادة المال المنهوب بل بضرورة محاسبة المتسببين، وذلك كي يشكل ذلك عبرة لكل الذين تُسول لهم نفسهم بمد يدهم على المال العام أو الخاص.
الدولة المدنية غائبة
كان اللبنانيون يأملون خيراً بان يقوم جهابذة الفكر والعلم الذين يشكلون مجلس الوزراء بالتصدي لأكبر مشكلة تواجه لبنان، ألا وهي ضرورة إرساء الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة ووضع قانون موحد للأحوال الشخصية وفرض الزواج المدني، والسؤال هو هل جاء البيان ليعطي جائزة ترضية لرجال الدين والإكليروس؟. وماذا عن اللامركزية المالية والإدارية؟ كلها مواضيع أساسية لم يتطرق إليها أحد. من هنا فنحن لا نريد أن نتشاءم ولكننا لن نفرط بالتفاؤل، يحدونا أمل أن يلتزم المجتمع الدولي بتنفيذ القرار 1701 كاملاً مع انسحاب كامل للعدو، وكذلك الالتزام بوضع استخراج النفط والغاز موضع التنفيذ، فوحده الاكتفاء الذاتي هو القادر على حماية الوطن والمحافظة على السيادة والاستقلال.
كاتب سياسي*