<
04 March 2025
قلق جنبلاط له ما يبرّره: مواجهة إسرائيلية - تركية على أرض سوريا!

جوزف القصيفي -

خوف الرئيس السابق للحزب «التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على مستقبل وحدة سوريا، وتماسك طائفة الموحّدين الدروز ليس مجرّد استنتاج، وهاجس لا وجود له على أرض الواقع. وهو مقتنع تمام الاقتناع بأنّ إسرائيل تُريد أن تجعل من الدروز حرس حدود لها وتسخِّر في سبيل ذلك كل الوسائل التي تمكنها من تحقيق هدفها. وأنّ النشاط الذي يقوم به الشيخ موفق طريف يصبّ في خدمة هذا الهدف.
لطالما كان أبناء الطائفة الدرزية في الجولان المحتل وفي الجانب السوري من الحدود مع فلسطين المحتلة يجاهرون بانتمائهم إلى سوريا، ويعتبرون أنّ وجودهم كمكوّن مذهبي يتعزّز بعمقهم العربي، ويتلازم مع دورهم التاريخي منذ وجودهم في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وحلولهم في مناطق استراتيجية في هذه البلدان.

وتقول مصادر جنبلاط، إنّه يمتلك معلومات دقيقة عمّا يقوم به الكيان العبري ترغيباً وترهيباً من أجل تنفيذ مخطّطه، والأموال التي تُنفَق في هذا السبيل، والضغوط التي يتعرّض لها دروز سوريا لتبديل مسارهم التاريخي والذهاب نحو خيارات طالما أجمعوا على رفضها. والقلق هذه المرّة أكثر من جاد، لأنّ الوسائل المستخدمة تأخذ منحى تصاعدياً، يُنذر بالأسوأ، ويُعرِّض وحدة الطائفة إلى أخطار حقيقية تُضعِفها وتُعطّل دورها وتشلّ قدراتها، وتجعلها طائفة هامشية. وقد قرّر جنبلاط التصدّي لها بكل ما أوتي من قدرات وإمكانات، وأجرى اتصالات دولية وعربية للمساعدة على فرملة اندفاعة بنيامين نتنياهو لإقامة شريط عازل في جنوب سوريا لحماية كيانه الغاصب. وثمة استغلال واضح للحال الإقتصادية والاجتماعية الخانقة في البلاد، ولا سيما منها المناطق الدرزية نتيجة الحرب في سوريا، ثم سقوط النظام السابق، وعدم الاستقرار، وضبابية المشهد العام على إثر الانقلاب الذي أطاح بشار الأسد.

وهذا الواقع المستجد أثار حفيظة الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان وخشيته، لأنّ آثار هذه المحاولة الإسرائيلية إذا قيّض لها النجاح فستمتد إلى مناطق النفوذ التركي في الداخل السوري، إذا ما وظفت تل أبيب الورقة الكردية التي لم تُطوَ فصولها بعد، وتمّ الاتصال بين الجَيب المُحدَث في الجنوب، ومناطق «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، ما يعني قيام منطقة نفوذ عبرية على الحدود السورية - التركية. ومن شأن ذلك تأجيج النزاع الإقليمي ذي البعد الدولي، وإبقاء المنطقة في حال توتر مستمر، لا يخدم الاستقرار فيها، اللهمّ إلّا استقرار إسرائيل، لتبقى لها اليد الطولى في تقرير السياسات وتوجيه البوصلة العسكرية والأمنية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

وهكذا تحوّلت سوريا منطقة نزاع نفوذ إقليمي إسرائيلي - تركي تستخدم فيها كل الأسلحة وتمثل فصولاً على أرضها من دون أن تصل المواجهة إلى حدّ الحرب المباشرة.

وإذا كان من الصعب التكهّن بمآلات الأمور في سوريا ما بعد الأسد في غياب اللاعبَين الروسي والإيراني، وعدم القدرة على بناء جيش على أنقاض الجيش الذي انفرط عقده، وتفرّق بعد سقوط النظام السابق، وتدمير إسرائيل لمنظومة سلاح الطيران والدفاع الجوي، والقواعد الصاروخية، وسلاح المدرّعات، والأسطول البحري لهذا الجيش، فإنّ عدوى هذه الفوضى قد تصل إلى لبنان، وتزيد الوضع فيه تعقيداً بدءاً من الحدود الشرقية التي شهدت في الفترة الماضية تصعيداً غير مسبوق بعنفه، سواء على صعيد الاشتباكات على جانبَي هذه الحدود، أو الغارات الجوية الإسرائيلية التي طاولت مواقع وأهدافاً في منطقة الهرمل.

وفي انتظار ما ستنجلي عنه العاصفة الواردة من الجنوب السوري، فإنّ لبنان قد يبقى على رصيف الانتظار، وهو يشق طريقه إلى التعافي بصعوبة، لكن بثبات.

الجمهورية