الأخبار: آمال خليل-
في يومٍ وليلة، تحوّلت حركة «حماس» إلى مشتبه فيها «عابرة للحدود»، من الأردن إلى لبنان، وربما نحو دول أخرى لاحقاً، بتهمتين جاهزتين: تعكير صفو الأمن، وتصنيع ونقل واستخدام السلاح.
ففي عمّان، أُعلن قبل يومين عن توقيف «خلية إرهابية» اتُّهم أفرادها بالتخطيط لتنفيذ عمليات أمنية داخل الأردن، وبأنهم أنشأوا «مخرطة» لصناعة صواريخ محلية.
ووفق السلطات الأردنية، فإن عناصر الخلية ينتمون إلى تنظيم «الإخوان المسلمين»، وأحدهم ظهر في تسجيل مصوّر يقول فيه إنه تلقّى تدريبات على تصنيع الصواريخ في لبنان.
في المقابل، أبلغ الجانب الأردني السلطات اللبنانية، أمس، بأن أفراد الخلية تلقّوا تدريبات في مخيمات تابعة لـ«حماس» داخل لبنان، ما فتح الباب واسعاً أمام حملة مداهمات وتوقيفات أمنية مكثّفة.
في هذه الأثناء، وفي مصادفة غير مفهومة، أعلن الجيش اللبناني، أمس، في بيان رسمي، أنه أوقف «المجموعة المنفّذة لعمليتي إطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة»، مؤلّفة من لبنانيين وفلسطينيين، وذلك نتيجة عمليات رصد ومتابعة نفّذتها مديرية المخابرات بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي والأمن العام.
وأشار البيان إلى أن مداهماتٍ واسعة نُفّذت في عدد من المناطق، أسفرت عن توقيف أفراد المجموعة وضبط الآليات والأعتدة المُستخدمة في العمليتين، بالتوازي مع حملة أمنية مشدّدة في بيروت وصيدا وصور والنبطية ومناطق أخرى، طاولت العشرات، بينهم محسوبون على «حماس».
وبحسب معلومات «الأخبار»، فقد أوقفت الأجهزة الأمنية منذ آذار الفائت أكثر من ثلاثين شخصاً على خلفية إطلاق الصواريخ، إلا أن جميعهم أُفرج عنهم لاحقاً باستثناء فلسطينيَّين وسيدة لبنانية، تمّ توقيفهم في منطقة الزهراني.
وقد اعترف هؤلاء بتنفيذهم عمليتي الإطلاق «بدافع مناصرة الشعب الفلسطيني»، وفق مصدر أمني أضاف، أن الموقوفين أكّدوا تصرّفهم من تلقاء أنفسهم، من دون أي توجيه من فصيل فلسطيني أو لبناني. غير أن مصدراً أمنياً آخر أشار إلى ارتباطهم بحركة «حماس».
فيما أفاد مصدر أمني ثالث، بأن «أحد الموقوفين طابقت بصماته تلك الموجودة على إحدى منصات الإطلاق»، ما أدّى إلى تنفيذ مداهمات إضافية شملت بعض المخيمات الفلسطينية.
في موازاة ذلك، تواصلت عمليات توقيف أخرى بتهم مختلفة، منها الإتجار بالسلاح، حيث أوقف الجيش خلال الأسبوع الفائت، عدداً من الأشخاص في مناطق متعددة، أبرزهم أربعة فلسطينيين ولبناني، داخل سيارة خرجت من مخيم الرشيدية وكانت محمّلة بالأسلحة.
وأظهرت التحقيقات أن قائد المجموعة فلسطيني منتمٍ إلى «حماس»، لكنه أقرّ بأن نشاطه تجاري فردي، ولا صلة له بالحركة.
وفي سياق مشابه، أُوقف فلسطينيان في صيدا بالتهمة ذاتها، أحدهما نجل قيادي في «حماس»، والآخر قريب له.
وأوضحت التحقيقات أن أحدهما أوقف على حاجز للجيش بسبب الزجاج الداكن في سيارته، حيث عُثر في داخلها على سلاح فردي، قبل أن يتبين لاحقاً أنه يملك مجموعة صغيرة من الأسلحة بغرض المتاجرة بها.
كما سُجّلت في البقاع توقيفات أخرى سرعان ما أُفرج عن أصحابها، في حين أوقف الجيش في بيروت قيادياً بارزاً في «حماس»، أُطلق سراحه لاحقاً من دون توضيح ما إذا كانت التهمة مرتبطة بملف السلاح أو بإطلاق الصواريخ. كذلك، لا يزال أحد أبناء مخيم نهر البارد موقوفاً بتهمة جمع تبرعات لصالح «حماس».
من جهتها، عبّرت مصادر قيادية في حركة المقاومة الفلسطينية لـ«الأخبار»، عن «التزام الحركة الكامل بسقف الدولة اللبنانية وإجراءاتها الأمنية»، لكنها اعتبرت أن «التطورات الأخيرة لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي العام الذي يشهد تصعيداً ممنهجاً ضد حركات المقاومة».
واستغربت المصادر عن ربط التوقيفات الفردية المتعلّقة بالسلاح بما سُمي «الخلية الأردنية»، معتبرة أن ما يجري هو جزء من محاولة فتح ملف السلاح الفلسطيني تحت عناوين أمنية.
وفي ما يخصّ إطلاق الصواريخ، أكّدت مصادر «حماس»، أن «الحركة استخدمت سلاحها في الجنوب ضمن إطار معركة الإسناد ضد العدوان الإسرائيلي الأخير»، وبتنسيق مع «حزب الله»، لكنّها شدّدت على «التزامها الكامل باتفاق وقف إطلاق النار، وعدم اتخاذها أي خطوة تخرقه».
ويرى مراقبون أن ما يحدث يتقاطع مع مسار سياسي وأمني يستهدف فصائل المقاومة، ولا سيما في لبنان وسوريا والأردن، بالتوازي مع الضغوط الأميركية – الإسرائيلية، والحملة الداخلية اللبنانية، الرامية إلى محاصرة «حزب الله» ونزع سلاحه.
ويخشى هؤلاء من تصاعد الأصوات المطالِبة بطرد الفلسطينيين من لبنان، أو على الأقل نزع سلاح المخيمات، وإغلاق مكاتب الفصائل، ومنع أي نشاط سياسي لها، لكنّ الأهم، هو تنفيذ طلب أميركي – إسرائيلي قديم وجديد يقضي بطرد عدد من الشخصيات الفلسطينية التي يعتبرها العدو ناشطة ضده انطلاقاً من لبنان.
وهي خطوة لها ما يماثلها في سوريا، منذ سيطرة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، على دمشق ومبادرته إلى إغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية وحلّ تشكيلاتها وطرد قياديين منها، وأن هناك محاولة لتكرار الأمر بنسخة لبنانية – أردنية، تحت عنوان ضبط الأمن ومنع أي تهديد للاستقرار، في مقابل استثناء السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» من هذا التصعيد، سيما أنها تنسّقان مع الأنظمة في الدول الثلاث، وتلعبان دورهما في التضييق على فصائل المقاومة. وفي خضمّ هذا المشهد، من المتوقّع أن يقوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة رسمية إلى سوريا، على أن تتضمّن زيارته محطة لبنانية يلتقي خلالها مسؤولين لبنانيين وقيادات الفصائل الفلسطينية.