الثبات: حسان الحسن-
إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في منتصف شباط 2005، ثم انسحاب القوات السورية من لبنان في أواخر نيسان من العام عينه، منذ ذلك الوقت حتى الساعة، علت ولا تزال تعلو من وقتٍ إلى آخر بعض الأصوات التي تطالب بإلغاء المجلس الأعلى - اللبناني - السوري، ويبدو أنها تجهل أو تتجاهل الفرق بين "المجلس" عينه، والأمانة التابعة له، على رأسها الأمين العام نصري الخوري. "فالمجلس" منبثق عن معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق»، الموقعة بين لبنان وسورية أيار 1991، ومن حيث سمو القوانين، تسمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية، وتلي المعاهدات، النظم الدستورية، من حيث مبدأ تدرج القوانين، وهنا يوضح الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين أن "إلغاء المعاهدة يتم إما من خلال تحقق شروط الإلغاء المنصوص عنها في المعاهدة عينها، أو بند من بنود الإلغاء، كأن يكون مذكور فيها، أن في حالة معيّنة، تلغى هذه المعاهدة، أو في حال كانت تنص على بندٍ، يعطي الحق لكل من فريقي المعاهدة، الخروج منها، إذا تحقق أحد بنودها، وإما إذا تم الاتفاق بين طرفيها، على إلغائها، وفقًا للأصول القانونية، أي بالطريقة نفسها، التي اعتمدت عند التوقيع".
أما بالنسبة إلى هيكلية المجلس المذكور، فهو يتألف من:
ــ رئيسي الجمهورية في كل من الدولتين المتعاقدتين
ــ رئيس مجلس الشعب، رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية العربية السورية
ــ رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية
* يضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في كافة المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها) ويشرف على تنفيذها.
* قرارات المجلس الأعلى إلزامية ونافذة المفعول في إطار النظم الدستورية في كل من البلدين، كما يحدد المواضيع التي يحق للجان المختصة اتخاذ قرارات فيها تكتسب صفة التنفيذية، بمجرد صدورها عنها، وذلك وفقاً للنظم والأصول الدستورية في كل من البلدين، أو في ما لا يتعارض مع هذه النظم والأصول.
* يجتمع المجلس الأعلى مرة كل سنة، وعندما تقتضي الضرورة في المكان الذي يتم الاتفاق عليه. (يمكن مراجعة نص المعاهدة).
أما الأمانة العامة للمجلس، فمن أجل متابعة تنفيذ أحكام المعاهدة، أنشئت أمانة عامة يرأسها أميناً عاماً، ليكون مسؤولاً أمامه عن حسن قيام أجهزة الأمانة العامة بالمهام المحددة لها.
وتتألف الأمانة العامة من الجهاز الإداري والفني المختص بمتابعة تنفيذ أحكام المعاهدة، يرأسه أمين عام، ويضم مجموعة من الاختصاصيين والخبراء والموظفين الإداريين والفنيين.
وبالعودة إلى مسألة المطالبة بإلغاء "المجلس"، فيبدو أن جوقة المطالبين يجهلون أو يتجاهلون عمدًا أيضًا تطوّر مراحل عمله ودوره، ففي عهد الرئيس ميشال سليمان، وخلال تولي الرئيس سعد الحريري حكومته الأولى، أوفدت الحكومة اللبنانية وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية وقتذاك جان أوغاسبيان إلى دمشق، في 2010، على رأس وفدٍ من المدراء العامين المعنين بالاتفاقيات اللبنانية - السورية، كالمدير العام للجمارك، ووزارة العدل، على سبيل المثال، لإعادة النظر بالمعاهدة المذكورة، حيث التقى وفدًا سوريًا برئاسة رئيس هيئة تخطيط الدولة عامر لطفي وقتذاك، وأفضى اللقاء إلى إنجاز ما يقرب تسعة اتفاقات ثنائية، وتسع مذكرات تفاهم بين لبنان وسورية، في صيغتها الجديدة التي راعت شروط تحسين متطلبات كل من الطرفين، إلى 14 اتفاقاً آخر برسم المناقشة النهائية، كانا قد نوقشا على نحو عابر في اجتماعٍ سابقٍ.
بعدها، عقدت "هيئة المتابعة والتنسيق"، برئاسة رئيسي الوزراء السوري محمد ناجي عطري واللبناني سعد الحريري، الذي زار دمشق في تموز 2010، على رأس وفد وزاري كبير، مؤلف من 13 وزيرًا، يمثلون مختلف المكونات اللبنانيين الممثلين في مجلس النواب وقتذاك، بما في ذلك "القوات اللبنانية"، التي مثلها وزيرا العدل ابراهيم نجار والثقافة سليم وردة، ووقّع كل من لبنان وسورية سلسلة من الاتفاقات ذات البعد الاقتصادي وقتذاك.
ووفقًا الأصول القانونية، أحيلت إلى المجلس النيابي لإبرامها، كي تسلك طريقها القانوني، وتصبح سارية المفعول، غير أن الأجواء لم تعد مؤاتية بعد استقالة حكومة الرئيس الحريري في كانون الثاني 2011، ثم بدء الحرب على سورية في منتصف آذار من العام عينه، ووسط هذه الأجواء غير المناسبة لم يطرح البرلمان اللبناني "اتفاقيات الحريري - عطري" للتصويت عليها، لإبرامها، ووضعها في إطارها القانوني، على اعتبار أن الظروف حالت دون ذلك، وبقيت معلقةً حتى الآن في أدراج البرلمان.
في المحصلة، إذًا، إلغاء المجلس الأعلى السوري اللبناني يحتاج إلى تعديل المعاهدة المذكورة أعلاه، وهذا يتطلب إصدار قانون من مجلس النواب.