بالرغم من النوايا الحسنة لمقاربة المشاكل التي يعاني منها البلد، وذلك من قبل الجميع بدون استثناء، تبقى الأمور عالقة في مكان ما وكأن البلد مرصود من بابه إلى محرابه، وأنه لا سبيل لولوج مراحل الحل إلا بإرادة ربانية، علماً أن زمن المعجزات قد ولى منذ زمن بعيد وحتى أن المرجعيات الدولية والشخصيات الكبيرة باتت عاجزة أو غائبة أو مغيبة في أحسن الأحوال. ولم ينقص اللبنانيين سوى غياب قداسة البابا فرنسيس الذي كان المدافع الأول عن قضايا الحق، ولا سيما القضية اللبنانية وكان واحداً من القلائل في العالم الحديث الذين تفهموا القضية اللبنانية، وفهم أن لبنان هو أكثر من وطن وهو رسالة لا بل هو "وطن الرسالة" على حد قوله. ويُعتبر الكرسي الرسولي أحد أهم العوامل التي ساهمت في بناء لبنان وترسيخ وحدته على مر العصور، فالبابا لم يكن فقط حامي المسيحيين في لبنان إنما كان حامي التعددية والتنوع في لبنان، وهو من خلال رعايته للمسيحيين كان بالفعل يرعى الأنموذج الحضاري الرائع الذي شكل فرادة حضارية من بين كل الدول، فكل دول المنطقة وبدون استثناء يعيش كل منها في عالم منغلق حيث يسيطر الدين الواحد على كل دولة، وحده لبنان قد شكل عبر التاريخ مختبر الأديان وتفاعل الحضارات وهذا مما أعطى لوطن الأرز غناه وفي نفس الوقت شكل خطراً حقيقياً على أبنائه بحسب البعض. والخطر الأكبر متأتٍ من العدو الصهيوني الذي يشكل لبنان التعددي أكبر تحدٍ له، فإسرائيل هي الدولة الدينية التيوقراطية بامتياز وهي تسعى لتاسيس كيانات تشبهها، ولقد دأبت على تشجيع التقسيم والفدرلة وكل الأنظمة التي تؤدي إلى الفرقة والشرذمة في كل المنطقة العربية لا سيما تلك المحيطة بالدولة العبرية. فإسرائيل تريد أن تعمم مفهوم الدولة الدينية ذات الشعب الواحد كأنموذج يحتذى به للاستقرار، وإن أكثر ما يهدد الدولة العبرية هو وجود دولاً متعددة لأن ذلك من شأنه أن يشجع كل الشعوب على الحذو باتجاه التعدد ومن هنا ياتي الخطر من إنشاء دولتين ضمن الحدود الإسرائيلية. من هنا فإن غياب قداسة البابا هو غياب لن يعوض بالنسبة للبنان ومنطقة الشرق الأوسط إلا إذا منَ الله على الكنيسة بحبر أعظم جديد شبيه بالبابا فرنسيس يحمل تطلعاته ويسعى إلى تحقيقها، رحم الله البابا العظيم.
لبنان وحصرية السلاح
إن مفهوم نشؤ أي دولة في عالمنا يعتمد على مبدأ أساسي هو ضرورة احتكار الدولة للسلاح بحيث يكون السلاح حصراً بيد الدولة، وهذا المبدأ لا يختلف عليه اثنان ولكن يبقى عامل التوقيت الذي لا يقل أهمية عن عامل الحصرية. لقد قال اللبنانيون كل اللبنانيين بضرورة وضع استراتيجية دفاعية تعمل على استغلال كل عوامل القوة الي يتمتع بها الشعب اللبناني، بحيث يصار إلى استعمال كل هذه العوامل من قبل الدولة اللبنانية والدولة فقط، والدولة وحدها باستطاعتها وضع المفاهيم والمعايير التي من شأنها أن تكودر هذه العوامل، لا سيما وأن الخطر الإسرائيلي ما زال موجوداً وكذلك الاحتلال الإسرائيلي ما زال جاسماً على جزء كبير من الأراضي اللبنانية. إن الاستراتيجية الدفاعية لا بد أن تتضمن تولي الدولة وحدها وبواسطة قواها العسكرية الذاتية الدفاع عن المواطنين كل المواطنين، وإن تقوية دور الجيش وتسليحه بالمعدات الضرورية من شأنه تسهيل مهمة القوى العسكرية في فرض الأمن وحصر السلاح والاضطلاع بالمهمات الدفاعية، بحيث تنكفىء تعديات العدو وممارساته العدوانية على القرى والبلدات الجنوبية وفي كل أنحاء لبنان.
أصوات الدولة لا تصل إلى واشنطن
لقد بات واضحاً أنه وبالرغم من إطلاق أكثر من موقف للحكم والحكومة، وبالرغم من التزام لبنان بالعمل على حصرية السلاح وتنفيذ الاستراتيجية الدفاعية، فإن هذه المواقف لم تصل بعد إلى أبواب البيت الأبيض حيث أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف، وحيث أن النبرة العالية من قبل المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في مخاطبة الزعماء اللبنانيين الذي كان آخرها مخاطبة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط شكل دلالات كبيرة بالنسبة لتعاطي الإدارة الأميركية مع لبنان، والسؤال الأكبر هو ماذا تريد الإدارة الأميركية من لبنان؟ وهل إن ما تقوم به الدولة هو غير كاف؟ اسئلة ينبغي الإجابة عليها وربما يجب بحثها بين لبنان والولايات المتحدة عبر القنوات الدبلوماسية. وهل يعتبر كل ذلك من قبيل تناول الكنة كي تسمع الجارة؟ وهل يشكل ذلك ضغطاً إضافياً على إيران؟ إن المفاوضات الأميركية الإيرانية تتعلق بملفات بحت إيرانية ولكن نجاحها أوفشلها لا بد وأن ينعكس على الوضع اللبناني بصورة عامة. فعساه خيراً.