<
22 April 2025
ما هي المخاطر الاقتصادية لو استجاب الفيدرالي لضغوط ترامب؟
بينما تتأرجح الأسواق العالمية على وقع التصريحات النارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يجد مجلس الاحتياطي الفيدرالي نفسه في مرمى ضغوط سياسية غير مسبوقة، تهدد استقلاليته التي طالما شكلت صمام أمان للاقتصاد الأميركي.
 
فقد وجّه ترامب انتقادات حادة لرئيس المجلس جيروم باول، متّهماً إياه بعدم الاستجابة لمطالبه المتكررة بخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، معتبراً أن تردده في ذلك يُضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي، ويقوّض فرص النمو في ظل الحروب التجارية التي أشعلها البيت الأبيض.
 
وفي وقت تتراجع فيه قيمة الدولار، وتُسجّل أسعار الذهب مستويات قياسية، تتحول قضية استقلالية الاحتياطي الفيدرالي إلى مركز صراع بين الاعتبارات الاقتصادية والحسابات السياسية. فهل يستجيب الفيدرالي لضغوط ترامب ويغامر بفقدان مصداقيته؟ وما المخاطر الكامنة وراء تسييس السياسة النقدية؟ ولماذا ترتعد الأسواق ويتلألأ الذهب كلما صعّد الرئيس الأميركي هجومه على البنك المركزي؟
 
وأشار مسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي، ومنهم أوستن غولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، إلى أهمية الحفاظ على استقلالية البنك المركزي، محذرين من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن التدخل السياسي في السياسة النقدية، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
 
وفي المقابل، أوضح التقرير أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أكد أنه لا ينوي الاستقالة قبل انتهاء ولايته، وجدّد خلال كلمته أمام "النادي الاقتصادي في شيكاغو" أخيراً أن استقلالية البنك المركزي "مسألة قانونية"، مضيفاً: "لا يمكن إقالتنا إلا لأسباب محددة".
 
ويبلغ نطاق سعر الفائدة القياسي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي حالياً 4.25-4.50 بالمئة، وهو نفس المستوى منذ ديسمبر الماضي، بعد عدة تخفيضات في أسعار الفائدة أواخر العام الماضي. وأكد باول أن الاحتياطي الفيدرالي مستعد "لانتظار مزيد من الوضوح"، مشيراً إلى أن البنك "ليس مستعداً لتحريك السياسة في أي اتجاه أو بأي وتيرة حتى ينتهي ترامب من خططه في الرسوم الجمركية ويتضح تأثيرها على الاقتصاد بشكل أكبر".
 
وحذّر من أن سياسات ترامب في الرسوم الجمركية تثير مخاطر إخراج التضخم والتوظيف عن نطاق الأهداف التي يديرها البنك المركزي بتفويض من الكونغرس.
 
ويصعد الرئيس دونالد ترامب من انتقاداته لرئيس الاحتياطي الفيدرالي، معرباً عن استيائه من عدم خفض أسعار الفائدة وملمحاً إلى رغبته في إقالته. وقد أكد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، أن فريق ترامب لا يزال يدرس إمكانية عزل باول، وفقاً لتقرير الوكالة الأميركية.
 
وفي ظل هذا التصعيد، شهد الدولار تراجعاً ملحوظاً، حيث انخفض إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات مقابل اليورو، وسجل أدنى مستوى له في سبعة أشهر مقابل الين، كما انخفض بنسبة 0.9 بالمئة مقابل الفرنك السويسري مع بداية الجلسة الآسيوية الإثنين، في ظل استمرار تفاقم أزمة الثقة في الدولار، بحسب رويترز.
 
وعزت الوكالة هذا التراجع إلى انخفاض ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأميركي بسبب خطط ترامب المحتملة لإعادة هيكلة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مما أثار شكوكاً بشأن استقلالية البنك.
 
ويرى محللون أن عدم رضا المستثمرين عن فكرة إقالة باول قد يتوسع ليشمل سحب رؤوس الأموال من الولايات المتحدة في حال استمرار التصعيد.
 
ارتفاع الذهب وتراجع مؤشرات وول ستريت
كما تسبب التوتر بين ترامب وباول في تراجع المؤشرات الرئيسية في "وول ستريت" بأكثر من 2 بالمئة في ختام جلسة الاثنين.
 
في المقابل، ارتفعت عقود الذهب إلى مستويات تاريخية متجاوزة مستويات 3500 دولار للأونصة، حيث يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
 
وقد حذرت السيناتورة إليزابيث وارن من أن إقالة باول قد تزعزع استقرار الأسواق المالية وتقوض الثقة في الاقتصاد الأميركي.
 
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، ناقش ترامب سراً إقالة باول على مدى أشهر، لكن الوضع القانوني لعزل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي غير واضح، نظراً لأن هيكلية البنك المركزي الأميركي مصممة لضمان استقلاله عن السلطة التنفيذية.
 
وأوضح التقرير وفقاً لمحللين أنه مجرد قدرة الرئيس على إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي ستضعف البنية التحتية المالية للبلاد.
 
مخاطر خفض الفائدة تحت ضغوط ترامب
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "إن دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخفض أسعار الفائدة تحمل في طيّاتها مخاطر كبيرة قد تهدد استقرار الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل".
 
وأوضح أن خفض الفائدة بشكل مفرط يؤدي إلى "طفرة مصطنعة" تشبه، حسب وصفه، "حقن الاقتصاد بوقود صناعي". وأضاف: "في البداية، يبدو الاقتصاد وكأنه ينتعش، لكن هذا الانتعاش غير مبني على أسس قوية، وسرعان ما ينهار عند أول صدمة".
 
وأكد الدكتور الشبشيري أن استقلالية البنك المركزي مهددة إذا استجاب مجلس الاحتياطي الفيدرالي لضغوط السلطة التنفيذية، موضحاً أن "أي تداخل سياسي في السياسة النقدية سيؤدي إلى فقدان ثقة الأسواق وتقلبات عنيفة في الأداء الاقتصادي".
 
وأشار إلى أن الجمع بين خفض الفائدة وفرض الرسوم الجمركية يخلق موجتين تضخميتين متزامنتين، ما يضعف القدرة الشرائية للأسر الأميركية، ويؤدي إلى اضطراب في الأجور والأسعار.
 
وقال الخبير الاقتصادي الشبشيري: "إن تكرار استخدام أدوات التحفيز النقدي يُنشئ "اعتماداً مفرطاً على الدعم، ويغذي فقاعات في الأسواق المالية والعقارية. وتابع: "عند انفجار هذه الفقاعات، قد تدخل الولايات المتحدة في أزمة حادة".
 
وحذر من أن زعزعة الثقة بالدولار ستدفع المستثمرين للبحث عن بدائل آمنة كالمعادن الثمينة والعملات الرقمية، مما قد يفقد الدولار مكانته العالمية، ويقود إلى أزمة نقدية غير مسبوقة.
 
وختم الدكتور الشبشيري تصريحه بالقول: "المشهد الراهن ليس لعبة أرقام، بل تحذير مبكر بأن الاقتصاد الذي يسعى للثبات عبر قمع الأسعار الطبيعية يسابق الزمن نحو مأزق لا مخرج منه إلا عبر عودة شجاعة لاستقلالية السياسة النقدية، وحرية الأسعار، وإصلاحات جذرية تقطع جذور التحفيز السياسي. وإلا، فستكون “صفقة الاستقرار القصير الأمد” فاتورة يدفع ثمنها الجميع في المستقبل".
 
انخفاض الدولار والأسهم في ذات الوقت أمر غير اعتيادي
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "شهدنا انخفاضاَ مجدداً في أسواق الأسهم الأميركية مع بداية أسبوع جديد، حيث واصل الرئيس دونالد ترامب هجومه على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، والذي وصفه بأنه (خاسر كبير) لعدم خفضه أسعار الفائدة".
 
وأضاف: "لكن الغريب أننا شهدنا انخفاضاً في قيمة الدولار، وهو أمر غير معتاد عند انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع عوائد سندات الخزانة، لأن المستثمرين عادة ما يشترون سندات الحكومة الأمريكية خلال اضطرابات السوق، مما يؤدي إلى انخفاض العائد. وبدلاً من ذلك، يبدو أن المستثمرين يتجنبون الأسواق الأميركية نظراً لشعورهم بارتفاع المخاطر، كما شهدنا ارتفاعاً قياسياً في أسعار الذهب مع انخفاض قيمة الدولار".
 
وفي الواقع، لا يملك رئيس الولايات المتحدة سلطة مباشرة لإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يشمل أيضاً قيادة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC)، دون سبب. ولا بد أن يكون السبب سوء سلوك حقيقي أو مشكلة صحية خطيرة، بحسب تعبيره.
 
وأوضح أن استقلال الاحتياطي الفيدرالي يعد مبدأً أساسياً يهدف إلى عزل السياسة النقدية عن الضغوط السياسية قصيرة الأجل. وقال: "لذلك، في حين أن الرئيس قد يُعرب عن استيائه أو يُحاول ممارسة ضغوط سياسية أخرى، فإن الإقالة المباشرة أمرٌ مُعقد، ومن المُرجح أن تُواجه تحديات قانونية ومؤسسية كبيرة".
 
ويرى أنه من المهم جداً تذكُّر أن "الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى ثقة الجمهور"، "ولكن إذا كان الرئيس يُحاول إقالة باول من منصبه، فإن ذلك يُفاقم حالة عدم اليقين التي لن تُرضي الأسواق".
 
أما من الناحية القانونية فأشار الخبير الاقتصادي حمودي أن "الإجابة مُعقدة والحالة جديدة حيث لم يُعزل أي رئيس من قبل، حتى أن باول نفسه ذكر أنه لن يُغادر منصبه إذا طلب منه ترامب ذلك".
 
واختتم حمودي بقوله: "يُتابع المستثمرون والأسواق التصعيد بقلق. وتعتمد مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي باعتباره البنك المركزي الأقوى في العالم إلى حد كبير على استقلاله التاريخي في التصرف بعيداً عن النفوذ السياسي، وقد تؤدي الجهود الرامية إلى إزالة باول إلى مزيد من الاضطرابات في الأسواق التي تضررت بالفعل منذ أسابيع بسبب نهج ترامب غير المنتظم في فرض تعريفاته التجارية".
 
التعريفات الجمركية تزيد من هشاشة المشهد الاقتصادي
بدوره، قال استراتيجي الأسواق المالية في First Financial Markets، جاد حريري، في لقاء ضمن برنامج "بزنس مع لبنى" إن "إقالة جيروم باول بشكل مباشر تُعد مسألة بالغة الصعوبة من الناحيتين القانونية والدستورية، لكنها قد تتم بطرائق غير مباشرة، كأن تُمارَس ضغوط على الكونغرس لاتخاذ إجراءات بهذا الخصوص".
 
إكسنس: الصين اليوم ليست كما كانت في عهد ترامب الأول
وأضاف حريري أن "الحملة الإعلامية الحالية ليست الأولى من نوعها، فقد شهدنا مواقف مشابهة في عام 2016، حين كان الرئيس ترامب ينتقد باول وسياساته، ولا سيما تلك المتعلقة بمعدلات الفائدة"، مشيرًا إلى أن "هذه الانتقادات تنطوي على ضغوط سياسية أكثر منها توجهات تنفيذية فعلية، خصوصاً أن أداء باول يُعد جيدًا، وسجله في التعامل مع الأزمات الاقتصادية يعطيه رصيداً من الموثوقية".
 
وحول تأثير إقالة باول على الأسواق، أكد حريري أن "أي قرار من هذا النوع من شأنه أن يهز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأميركي، ويضعف مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية تستخدم في نحو 80 بالمئة من التجارة الدولية".
 
وأوضح أن "زعزعة استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ستنعكس سلباً على سوق السندات الأميركية، الذي يُعد من أكثر الأصول أماناً، وقد تدفع الدول والمستثمرين إلى تقليص احتياطياتهم من الدولار والسندات الأميركية، والتوجه نحو أصول أكثر أمانًا مثل الذهب واليورو والعملات الأخرى".
 
وقال حريري: "لو حدثت هذه الإقالة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، فستكون بمثابة صبّ الزيت على النار"، مشيرًا إلى أن "التعريفات الجمركية تزيد من هشاشة المشهد الاقتصادي، ما يجعل أي اهتزاز إضافي في السياسة النقدية خطراً مضاعفاً ".
 
أما بشأن أسعار الذهب، فأكد حريري أن "الذهب يتحرك يومياً بوتيرة غير مسبوقة تصل إلى 100 أو حتى 120 دولاراً للأونصة، ما يعكس حجم القلق في الأسواق العالمية"، لافتًا إلى أن "وصول الذهب إلى مستوى 3700 دولار للأونصة ليس مستبعداً، نظراً إلى توجه الدول والمؤسسات والأفراد نحو الذهب كأصل مالي آمن في ظل هذه التقلبات.
Skynews