<
24 April 2025
حرق أوراق التصويت وانتظار الدخان الأبيض.. تفاصيل اختيار بابا الفاتيكان
تتوجه أنظار العالم المسيحي، بداية من يوم أمس الاثنين، نحو كنيسة القديس بطرس في روما، عاصمة دولة الفاتيكان، التي ستشهد "فترة الانتقال البابوية"، عقب الإعلان عن وفاة البابا فرانسيس، بعد 12 سنة من توليه زعامة المؤسسة الكنسية الكاثوليكية.
 
وسيبدأ انتخاب البابا الجديد للفاتيكان، في عملية تعد أحد أكثر الطقوس الدينية "غموضا وسرية". فكيف تتم هذه العملية، وكم من الوقت يستغرق اختيار حبر أعظم جديد يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية؟
 
لقد بدأت مع وفاة البابا فرانسيس، صبيحة الاثنين، فترة الانتقال في الكنيسة الكاثوليكية - تمتدّ من الإعلان عن وفاة زعيم الباباوات وانتخاب آخر - وهي العملية التي استمرت لآلاف السنين مع تحديثات طرأت عليها مع مرور السنين لضمان تماشيها مع العالم الحديث.
 
ويحكم أغلب هذه الطقوس ما يعرف بالدستور الرسولي الذي أقره البابا يوحنا بولس الثاني في 1996 وعدله البابا بنديكتوس السادس عشر في 2007 و2013.
 
"الكرسي الشاغر"
ومن المقرر أن يتولى إدارة الشؤون الاعتيادية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي يبلغ عدد أتباعها قرابة 1,4 مليار شخص، الكاردينال الأميركي الأيرلندي كيفن فاريل بصفته ما يطلق عليه اسم "كاميرلنغو الكنيسة الرومانية المقدسة" خلال الفترة المعروفة باسم "الكرسي الشاغر".
 
وخلال فترة "الكرسي الشاغر" لا يملك مجمع الكرادلة سلطة إصدار المراسيم أو القرارات التي تخص البابا، حيث يقتصر دورهم على الإدارة العادية والتحضير لانتخاب البابا الجديد.
 
كما تؤكد المادة الأولى من الدستور نفسه على أنه "خلال فترة شغور الكرسي الرسولي، لا يمتلك مجمع الكرادلة أي سلطة أو ولاية قضائية على المسائل التي تخص البابا".
 
وجاء تأكيده لوفاة البابا بإجراءات صارت بسيطة هذه الأيام تتطلب حضور طبيب وشهادة وفاة، وذلك مقارنة بما كان يجري حتى وقت ما من القرن العشرين بالنقر بمطرقة فضية على جبهة البابا ثلاث مرات.
 
ولعلّ التفكير في خليفة البابا فرانسيس، قد بدأ فعليا داخل كنيسة بطرس، وفي عموم المجتمع المسيحي، قبل وفاته، هو الذي كان في وضع صحي "حرج" ينبئ بدنو أجله في وقت مبكر.
 
جنازة مهيبة
يتعين على الكرادلة الآن تحديد موعد الجنازة بدقة، وبعد ذلك موعد بدء المجمع المغلق، لكن معظم الجدول الزمني مُحدد مسبقًا، فقد أدت وفاة البابا إلى بدء 9 أيام من الحداد تُعرف باسم "نوفندياليس"، ويجب دفن البابا بين اليوم الرابع والسادس بعد الوفاة. وسيُعرض جثمان البابا أيضًا في كاتدرائية القديس بطرس للعزاء، وسيُقام قداسٌ في كل يوم.
 
للتذكير فقد اصطفّ المعزون في طوابير طويلة لرؤية جثمان البابا يوحنا بوليس الثاني، آخر بابا يُتوفى أثناء خدمته، عام 2005.
 
ومن المرجح أن تُقام فعاليات غير رسمية بالتزامن في بوينس آيرس، حيث عاش البابا فرنسيس قبل أن يصبح أسقف روما، وهو أول زعيم أميركي لاتيني في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
 
بعد ذلك، في نهاية فترة الحداد، سيُقام قداس جنازة حاشد في كنيسة القديس بطرس. ويُعد هذا الحدث ضخمًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ويتوقع حضور شخصيات مرموقة من جميع أنحاء العالم.
 
وقد حضر جنازة يوحنا بولس الثاني الرئيس الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش، وسلفاه بيل كلينتون وجورج بوش الأب.
 
حضور ترامب
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الاثنين أنه سيحضر جنازة البابا فرنسيس في روما. وذكر ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال"، "أنا وميلانيا سنشارك في جنازة البابا فرنسيس في روما".
 
ووجه ترامب بتنكيس الأعلام في البيت الأبيض وفي الممتلكات العامة والعسكرية وعلى متن السفن التابعة لسلاح البحرية والبعثات الدبلوماسية في الخارج "كمؤشر إلى الاحترام لذكرى قداسة البابا فرنسيس".
 
وقال الرئيس الأميركي في حدث بمناسبة عيد الفصح في البيت الأبيض "كان رجلاً طيباً. وعمل بجد وأحب العالم".
 
وقبلها، كتب ترامب في منشور مقتضب عبر منصته "تروث سوشيال"، "ارقد بسلام البابا فرنسيس! ليباركه الله وليبارك كل الذين أحبوه".
 
وأثنى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، ثاني كاثوليكي يصل إلى سدة الرئاسة الأميركية، على البابا، مؤكداً أنه "لا يشبه أياً من الذين سبقوه... كان بابا الشعب، نور إيمان وأمل ومحبة".
 
هل يوجد نائب للبابا؟
لا يوجد نائب للبابا في دولة الفاتيكان، أو أي شخصية تتولى تلقائيا منصبه في حال وفاته أو استقالته. وخلال فترة "الكرسي الرسولي الشاغر" تُدار الكنيسة الكاثوليكية من قبل مجمع الكرادلة، حيث يلعب الكاردينال "الكاميرلينغو" دورا رئيسيا في إدارة الشؤون الزمنية لهذا الكرسي إلى حين انتخاب البابا الجديد.
 
وفي 14 فبراير، كانت وكالة الأنباء الكاثوليكية قد أعلنت عن تسمية البابا فرانشيسكو، للكاردينال الأيرلندي الأميركي، كيفين جوزيف فاريل، في منصب الكاميرلينغو (رئيس دائرة العلمانيين والأسرة والحياة، والأسقف السابق لمدينة دالاس) والذي يبقى المرشح المباشر لتفعيل مجمع الكرادلة.
 
كيفية اختيار البابا الجديد؟
يتوجب على الكرادلة من جميع أنحاء العالم أن يستجيبوا لبلاغ "الكاميرلينغو" بخصوص "الكرسي الرسولي الشاغر"، بحيث يدعوهم لحضور الاجتماع المغلق (الكونكلاف)، والذي يجب أن يبدأ بين اليوم الـ15 والـ20 بعد وفاة أو استقالة البابا.
 
وتكون الدعوة لاختيار البابا الجديد لجميع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عاما، وذلك عبر انتخابات تجري في سرية تامة، ويستغرق اختيار البابا عادةً ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع من وفاة سابقه، مع أن الأمر قد يمتد لفترة أطول قليلًا إذا عجز الكرادلة عن الاتفاق على مرشح.
 
وخلال هذه الفترة، تقام قداسات خاصة وجلسات صلاة وتأمل لطلب الهداية الإلهية في اختيار البابا المناسب.
 
ومنذ انعقاد اجتماع عام 2005 الذي انتخب البابا بنديكتوس السادس عشر، يجري الكرادلة التصويت في كنيسة السيكستين لكنهم يقيمون في بيت القديسة مارتا الذي يضم نحو 130 غرفة.
 
ويغلق بيت القديسة مارتا وينقل الكرادلة بحافلة إلى كنيسة السيكستين.
 
ويعرف الاجتماع السري باسم (كونكلاف) المأخوذ من كلمة لاتينية تعني "مفتاح"، وتعود جذور الاسم إلى تقليد بدأ في القرن الثالث عشر عندما كان يتم إبقاء الكرادلة في اجتماع من دون السماح لهم بالخروج لإجبارهم على اتخاذ القرار بأسرع وقت ممكن والحد من التدخل الخارجي.
 
وفي أيام الاجتماع يُمنع المشاركون من أي تواصل مع العالم الخارجي، ولا يُسمح باستخدام الهواتف ولا الإنترنت ولا الصحف، وتستخدم شرطة الفاتيكان أجهزة أمنية إلكترونية لفرض القواعد.
 
وتُجرى 4 جولات اقتراع يوميا (اثنتان صباحا واثنتان بعد الظهر)، ويتم حرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة، ويشير الدخان الأسود إلى أن التصويت لم يُحسم، بينما يشير الدخان الأبيض "باستخدام مواد كيميائية خاصة" إلى انتخاب البابا الجديد، ويستمر المجمع المغلق حتى يحصل مرشح على أغلبية الثلثين.
 
وبمجرد انتخاب البابا الجديد، يوافق على تولي المنصب ويختار اسما بابويا، ثم يُعلن عن انتخابه للعالم.
 
ويصعد كبير الناخبين من الكرادلة الشمامسة، وهو حاليا الكاردينال الفرنسي دومينيك مامبرتي، إلى الشرفة المركزية لكاتدرائية القديس بطرس ليعلن للحشود في الساحة النبأ قائلا "هابموس بابام" والتي تعني (لدينا بابا).
 
ثم يظهر البابا الجديد ويمنح الحشود أول مباركة له.
 
ماذا إذا لم يتم انتخاب البابا؟
إذا طال أمد المجمع من دون انتخاب البابا، فإنه بعد عدد معين من جولات التصويت الفاشلة، يمكن اتخاذ تدابير لتسهيل القرار، مثل تقليص عدد المرشحين أو تغيير نسبة الأغلبية المطلوبة.
 
ومن الناحية النظرية، يمكن انتخاب أي شخص معمّد وغير متزوج لمنصب البابا، حتى لو لم يكن كاردينالا، ولا توجد معايير رسمية تفرض انتخاب البابا من الكرادلة فقط، لكن التقاليد والممارسات الحالية تميل إلى اختيار البابا من بين أعضاء مجمع الكرادلة.
 
وإذا تم انتخاب شخص غير كاردينالي، فيجب أن يُرسّم فورا أسقفا (أي قائدا دينيا مسؤولا عن منطقة كنسية "أبرشية") لأن الكاردينال هو أسقف يتم تعيينه من قبل البابا، ويصبح جزءا من مجمع الكرادلة.
 
واجبات البابا
يقوم البابا بمهام يومية على رأسها إقامة القداس، والاجتماع بالقادة الدينيين والسياسيين، والإشراف على شؤون الكنيسة والفاتيكان، وإلقاء المواعظ، وإصدار الرسائل البابوية، بالإضافة إلى إدارة القضايا اللاهوتية والإدارية. ويتمتع البابا، وفق نظام الفاتيكان، بصفة الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية.
العربية