<
28 April 2025
الأسهم الأميركية تحت ضغط سياسات ترامب في أول 100 يوم
في بداية العام الجاري 2025، كان المستثمرون يتوقعون استمرار تفوق الأسهم الأميركية على نظيراتها في الأسواق العالمية؛ وذلك بفضل سلسلة من السياسات الاقتصادية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، الذي عاد للبيت الأبيض رسمياً في 20 يناير.
 
ومع ذلك، سرعان ما تبخر هذا التفوق عندما شن ترامب حرباً تجارية شرسة على عدد من الدول الكبرى، مما أثار قلق الأسواق العالمية، ذلك أن الحروب التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين والاتحاد الأوروبي والعديد من الشركاء التجاريين الآخرين، كانت أشد وطأة من التوقعات، وأدت إلى تقلبات كبيرة في الأسواق العالمية، مما دفع العديد من المستثمرين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم في ظل هذه التوترات.
 
وبعد مرور حوالي 100 يوم على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت الأسواق في استيعاب تبعات هذه السياسات. وفي حين أن الاقتصاد الأميركي شهد بعض المكاسب نتيجة الحوافز الضريبية المتجددة، إلا أن التوترات التجارية استمرت في التأثير على ثقة المستثمرين، ما دفعت ضريبته "وول ستريت" بشكل واضح.
 
وتبعاً لذلك المشهد، سجلت الأسهم الأميركية أداءً أضعف من بقية أسواق العالم هذا العام، وذلك بأكبر هامش منذ أكثر من ثلاثة عقود، تحت وطأة سياسات دونالد ترامب التي دفعت بدورها إلى هجرة المستثمرين من الأصول الأميركية، بحسب بيانات نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية نهاية الأسبوع الماضي.
 
 
مؤشر MSCI للأسهم الأميركية، وهو مقياس واسع للأسهم الأميركية انخفض بنسبة 11 بالمئة خلال الأسابيع الـ 16 الأولى من العام الجاري 2025.
في المقابل، ارتفع مؤشر MSCI العالمي باستثناء الأسهم الأميركية بنسبة 4 بالمئة (بالدولار) خلال الفترة نفسها، مسجلاً أكبر فجوة مع وول ستريت منذ العام 1993، عندما ازداد حماس المستثمرين الأميركيين للأسهم الأجنبية على خلفية تحرير التجارة والمخاوف بشأن الاقتصاد المحلي.
مؤشر "S&P 500" سجل أسوأ أداء على الإطلاق في أول 3 شهور من بداية ولاية أي رئيس أميركي.
وبحسب التقرير، فإن هذا التفاوت في الأداء يؤكد توقعات المستثمرين بأن فرض ترامب رسوماً جمركيةً مكثفةً سيُلحق ضرراً أكبر بالاقتصاد الأميركي، من خلال الإضرار بالنمو وزيادة التضخم، مقارنةً باقتصادات أخرى.
 
برز هذا التفاوت بشكل خاص في أوروبا، حيث دفعت سياسة الانعزالية الأميركية إلى تعهداتٍ بزيادة الإنفاق الحكومي - لا سيما على الدفاع - وهو ما يُتوقع أن يُعزز الاقتصاد المحلي ويدعم أسواق الأسهم، وفق تقرير الصحيفة الذي اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
 
رئيس أبحاث الأسواق الناشئة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ في دويتشه بنك، سمير غول، يقول: "يعود جزء كبير من هذا الأداء الضعيف إلى إعادة تسعير الأصول الأميركية بسبب زيادة عدم اليقين السياسي والصدمة التضخمية الناجمة عن الرسوم الجمركية".
مدير المحفظة الأول للأسهم العالمية لدى فيدريتد هيرميس، لويس جرانت، يشير إلى أن رؤوس الأموال تتدفق نحو أوروبا، مدعومة بالثقة في المؤسسات القوية والحوكمة وأسواق الأسهم التي تتداول عادة بخصومات مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة.
سكويرد فاينانشيال: التصحيح في الأسهم الأميركية مستمر
سياسات عالية المخاطر
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
 
إن تخلف المؤشرات الأميركية الرئيسية عن الأداء العالمي لم يكن نتاج عامل واحد فقط، بل جاء نتيجة مزيج من السياسات ذات المخاطر العالية التي انتهجتها الإدارة الأميركية، وعلى رأسها التلويح القوي بورقة التعريفات الجمركية.
 
هذا الخطاب، الذي سرعان ما تُرجم إلى إجراءات فعلية، خلق حالة من القلق العميق وعدم اليقين لدى المستثمرين، إذ أصبح من الصعب عليهم - بل وحتى على البنوك المركزية- امتلاك رؤية واضحة لتداعيات تلك السياسات على الاقتصاد الأميركي.
 
هذه الضبابية دفعت المستثمرين إلى تبني نهج حذر للغاية، مما انعكس على تراجع أداء المؤشرات الرئيسية في الأسواق الأميركية.
 
يضيف سعيد: "العوامل النفسية لعبت دوراً مهماً أيضاً، إذ شهدت الأسواق الأميركية فترة من التفاؤل المفرط قبيل تولي الرئيس ترامب الحكم، بناءً على وعود بتحفيز الاقتصاد. ومع بدء الإدارة فعلياً في تطبيق سياساتها، بدأ التقييم يتجه نحو الواقعية ومدى إمكانية التنفيذ الفعلي، مما أضعف الزخم الذي كانت تتمتع به الأسواق في تلك المرحلة"، مشدداً على أن بعض الأسواق العالمية استفادت نسبياً من النمو في مناطق أخرى، وكانت أقل تعرضاً مباشرة لتبعات السياسات التجارية الأميركية خلال هذه الفترة المبكرة.
 
وكان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد هبط بنسبة تصل إلى 12 بالمئة، في الأسبوع  التالي  لإعلان ترامب عن تعريفات "يوم التحرير" في الثاني من أبريل مباشرة.
 
ورغم أنه استعاد معظم تلك الخسائر منذ ذلك الحين مع تراجع ترامب عن بعض تعريفاته أو تأجيلها، إلا أنه لا يزال متأخراً عن منافسيه العالميين، بما في ذلك مؤشر ستوكس 600 الأوروبي. كما ارتفع مؤشر داكس الألماني بأكثر من 20 بالمئة بالدولار هذا العام، بينما ارتفع مؤشر كاك 40 الفرنسي بنحو 12 بالمئة، وفق تقرير الصحيفة.
 
10 تريليونات دولار خسائر سوق الأسهم الأميركية منذ بداية 2025
وفيما يتعلق بتأثير التعريفات الجمركية، فإن تأثيرها كان واضحاً للغاية وحاداً؛ إذ لم يقتصر الأمر على مجرد تصريحات سياسية، بل تم فرض رسوم جمركية مرتفعة بشكل كبير، فاقت كل التوقعات -قبل تأجيلها لمدة 90 يوماً- مما أدى إلى رفع تكاليف الاستيراد وأثر سلباً على هوامش أرباح الشركات، لاسيما تلك المعتمدة على سلاسل التوريد العالمية والشركات ذات الصادرات الكبيرة، مثل شركات التكنولوجيا والصناعات الثقيلة. وقد أسفر هذا عن تحذيرات متتالية بشأن تراجع الأرباح، بل وتسجيل خسائر في بعض الأحيان، وفق سعيد.
 
ويستطرد: الحرب التجارية التي شنتها الإدارة الأميركية ضد شركائها التجاريين الرئيسيين أسفرت عن ردود فعل عنيفة عبر فرض تعريفات مضادة، مما أدى إلى تعطيل حركة التجارة العالمية وتباطؤ النمو العالمي، الأمر الذي تسبب بصدمة قوية في الأسواق المالية وانخفاض المؤشرات الرئيسية، مع تحوّل توجهات المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والسندات، وانخفاض ثقة المستهلكين وتراجع توقعاتهم المستقبلية.
 
وفيما يخص التوقعات المستقبليه، يقول خبير أسواق المال:
 
استمرار الأداء المتقلب أو الضعيف مرهون ببقاء السياسات الحالية والتوترات التجارية.
 
طالما ظل الغموض يكتنف مسار هذه السياسات والمشهد التجاري العالمي، فمن المرجح أن تواصل الأسواق الأميركية تقلبها وقد تواجه صعوبة في تحقيق زخم صعودي مستدام.
 
يختتم سعيد حديثة بالإشارة إلى أن الأيام الأخيرة شهدت تغيراً في لهجة الخطاب المتعلق بالعلاقات التجارية الأميركية خاصه مع الصين، بالإضافه إلى تحسن نسبي في العلاقة مع بنك الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه جيروم باول، مما يبشر بإمكانيه حدوث انفراجة في المشهد، موضحاً أنه:
 
في حال شهدت السياسات الحمائية تراجعاً، فقد تجد الأسواق متنفساً للتعافي.
أما في حال استمرار التصعيد، فإن احتمالية استمرار التذبذب أو حتى المزيد من التراجع ستبقى قائمة.
التعافي يتطلب بعض الوقت حتى تتضح الرؤية الاقتصادية والسياسية بشكل كامل.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يتأثر الاقتصاد الأميركي سلباً بسياسة ترامب التجارية. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.4 بالمئة في عام 2025، وفقًا لأحدث استطلاع أجرته بلومبرغ لآراء الاقتصاديين، مقارنةً بنسبة 2 بالمئة في استطلاع الشهر الماضي.
 
ويتوقع متوسط المشاركين الآن احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي خلال الاثني عشر شهراً القادمة بنسبة 45 بالمئة، مقابل 30 بالمئة في مارس.
 
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.8 بالمئة فقط خلال عام 2025، بانخفاض حاد عن توقعاته السابقة البالغة 2.7 بالمئة، ومتراجعا بنقطة مئوية كاملة مقارنة بالنمو الذي سجله خلال عام 2024.
 
الحرب التجارية
بدورها، تشير خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، لدى حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
 
الحرب التجارية المشتعلة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وفرض الرسوم الجمركية المرتفعة، قد تسببا في تراجعات حادة بالأسواق الأميركية، لا سيما الأسهم التكنولوجية في عديد من الجلسات بشكل خاص.
 
الرسوم الجمركية على الصين تعمق الخلل القائم، وتؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
 
التصعيد الأخير في فرض الرسوم الجمركية دفع الصين إلى الرد بشكل حاسم يؤثر بدوره على حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية، مع تحويل استثماراتها إلى الذهب.. وكذلك على الدولار، مع سعي بكين للتعامل مع شركائها التجاريين بعملتها المحلية بدلاً من الدولار، مما قد يؤدي على المدى الطويل إلى تراجع شديد في قيمة العملة الأميركية.
ويشار إلى أن تراجع الدولار الأميركي أسهم في توسيع فجوة الأداء بين السوق الأميركية ونظيرتها الأوروبية،  فقد انخفض بنسبة 8 بالمئة هذا العام مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بما في ذلك اليورو والين، مما عزز أداء الأسواق غير الأمريكية بالدولار.
 
وتضيف: "مع تصاعد المنازعات والتصريحات الحادة، كان من الطبيعي أن تتأثر أسواق المال بشكل مباشر، حيث اتجه المستثمرون إلى البيع المكثف للأسهم، هروباً من تقلبات الأسواق عالية المخاطر"، لافتة في الوقت نفسه إلى أن الصين لديها عدد كبير من الأسهم المدرجة بالبورصات الأميركية عبر مختلف المؤشرات، وقد تهدد تلك الشركات بالانسحاب، مما يهدد بمزيد من الخسائر في الأسواق. كما أن ارتفاع نسب التضخم وضعف قدرة الفيدرالي الأميركي على خفض أسعار الفائدة مجدداً لإنعاش الاستثمارات زاد من حدة الأزمة.
 
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تزيد من تعقيد الموقف، إذ كان يسعى لتحقيق مكاسب تفاوضية على حساب استقرار الأسواق، مما تسبب بخسائر تريليونية.
يأتي ذلك في وقت كانت فيه الحاجة ماسة إلى استراتيجيات اقتصادية أكثر حنكة ودراية بالعلاقات السياسية والدبلوماسية.
وتقول رمسيس: "فرض  التعريفات على بعض المنتجات قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة تصنيعها داخلياً بصورة لا يحتملها المستهلك الأميركي، مما يدفعه للبحث عن بدائل خارجية، وهو ما يؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي وحركة الصادرات والواردات، وقطاع التصنيع"، مشددة على أن أسواق المال تعد من أكثر القطاعات حساسية تجاه أي أخبار سواء إيجابية أو سلبية.
Skynews