الأخبار: إبراهيم الأمين-
المفاوضات المستمرة لترتيب هدنة شاملة في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان خلال شهر رمضان لا تجري بسرعة توازي سرعة خطة الإطباق على كل شيء في القطاع. وفيما تنطلق، بشكل متزامن، اتصالات تهدف إلى اقناع قوى المقاومة في فلسطين بالتفكير في الانضواء ضمن تحالف سياسي أساسه منظمة التحرير لصياغة «اليوم التالي فلسطينياً»، فإن ثمة ما هو مختلف عند أهل الميدان. حيث لا يزال الجميع، من الإسرائيليين والأميركيين إلى الوسطاء المصريين والقطريين وبقية المعنيين بالمفاوضات، مقتنعين بأن لا مجال لأي اتفاق من دون موافقة ومشاركة فصائل المقاومة داخل غزة. حتى صار بديهياً بالنسبة إلى بعض الوسطاء أن يتوجهوا إلى محدّثيهم بالسؤال حول ملفات التفاوض: هل لديكم موافقة قيادة غزة؟
المفاوض الفلسطيني نفسه يشعر بواقع هو الأكثر مرارة، إذ إنه «يفضّل لو أن جهة أجنبية تقوم بدور الوساطة مع أميركا وإسرائيل، لربما كان بالإمكان الحصول على نتائج أفضل» بحسب ما يقول قائد في المقاومة الفلسطينية معني بالمفاوضات. ويضيف: «صحيح أنه يجب التمييز بين هذا الطرف أو ذاك، وصحيح أن القطريين لا يتحدثون معنا أو يتصرفون كما يفعل المصريون، لكن واقع الحال، أن الأطراف الأربعة ليسوا في صفنا، كلهم يمارسون الضغط الفعلي علينا، بينما يظهرون تفهماً لمطالب العدو، وفي نهاية الأمر، يخرج الجميع ليوافق على النظرية الأميركية بتحميل الفلسطينيين مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق».
وبحسب القائد نفسه، فإن هناك أموراً بديهية لا بد من تحقيقها من خلال أي هدنة، ذلك «أن وقف إطلاق النار من دون إجراءات على الأرض لا معنى له، وإلا كيف يمكن لأبناء القطاع التحرك وقوات الاحتلال منتشرة في كل الأمكنة، ولا تريد الانسحاب من الطرقات الواصلة بين مناطق القطاع، ولا إخلاء مناطق سكنية يريد الناس العودة إليها ولو كانت مدمرة، وكيف يمكن الحديث عن وقف لإطلاق النار، ويُمنع على الناس تشغيل مخبز أو مستوصف أو تشغيل بئر مياه، وكيف يمكن تسيير أمور الناس من دون جهات تنظم التواصل وإيصال المساعدات وترتيب عملية الإيواء؟». ويضيف: «كل هذه الأمور يتم تجاهلها، ويقولون لنا: اقبلوا وأطلقوا سراح الأسرى الأربعين، وخفّفوا عن أهالي غزة. وعندما نسأل الوسطاء عن كيفية إدارة ملف المساعدات وحركة المواطنين، يأتي الجواب بأن هذه تفاصيل نتركها لوقتها».
ويقول القائد في المقاومة لـ«الأخبار» إن الجميع في غزة وخارجها «يريد التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب. وإنه رغم التفاوت في النظرة إلى مجريات الوضع، فإن الجميع وافق على تقديم تسهيلات كبيرة للمفاوض الفلسطيني من أجل التوصل إلى تسوية. لكن قاعدة البحث كانت ولا تزال تستند إلى مبدأ رئيسي يقول إن أي تفاوض لا يقود إلى إنهاء الحرب، لن يحقق إلا مصالح العدو، وينزع من المقاومة أوراق قوة رئيسية لا تزال في يدها». ويشير إلى «أن المناخات التي رافقت إعداد ورقة باريس الأولى كانت تشير إلى استعداد أميركي ودعم مصري وقطري لمقترح يقود إلى التهدئة الشاملة في إطار يؤدي عملياً إلى التهدئة المستدامة التي تمتد لفترة طويلة تسمح بالحديث بعدها عن وقف شامل لوقف إطلاق النار».
ويضيف: «حصل ما كانت قيادة المقاومة في القطاع تتوقعه، هو أن ورقة باريس أُنجزت في ظل ذروة العملية العسكرية في منطقة خان يونس، وحيث كان الهدوء قد بدأ يسود مناطق الشمال، وعندما اكتشف العدو والآخرون أن عملية خان يونس لم تحقق هدفها، وبعدما استعادت قوى المقاومة زمام المبادرة شمالاً، عاد العدو إلى مربع الرفض، وانتقل بدعم أميركي إلى مرحلة الضغط الشامل على السكان بعدما فشلت عملية الضغط على المقاتلين».
ويجزم القائد الفلسطيني بأن جيش الاحتلال يحتاج إلى «معجزة» للوصول إلى قيادات المقاومة أو إلى أماكن الأسرى، و«أن العمليات الأمنية الضخمة التي قام بها بالتعاون مع أجهزة استخبارات من دول أوروبية وبمساعدة أجهزة أمنية عربية، لم تفلح في تقديم أي معلومة تقوده إلى مسؤول ميداني كبير أو إلى مكان احتجاز أحد من الأسرى».
وإذ أشار القائد إلى أن القصف العشوائي للعدو، «أصاب نقاطاً عدة للمقاومة، وسقط عدد غير قليل من الشهداء بين المقاتلين، لكن القصف تسبب أيضاً بمقتل عدد من الأسرى، وإصابة آخرين بجروح قد تودي بحياتهم». وتابع القائد الفلسطيني: «مع الفشل في خان يونس، أخرجت حكومة العدو ورقة رفح، بغية إقناع العالم، بأن هذه المنطقة تحولت ليس إلى مكان يعجّ بالنازحين، بل إن المقاومة لجأت إلى هذه المنطقة لتخفي قياداتها والأسرى بين جموع النازحين، إضافة إلى السردية الدائمة حول احتمالية قوية بوجود أنفاق تمتد من رفح إلى سيناء المصرية».
ويشير القائد في المقاومة إلى أن الأذرع العسكرية «استعادت بقوة زمام المبادرة في كل مناطق شمال القطاع، وأن مستوى التنسيق القائم حالياً بين فصائل المقاومة، وخصوصاً بين كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس أخذ بعداً عملياتياً نوعياً، وأن مجموعات المقاومة أعادت درس الوضع على الأرض، ووضعت خارطة للمواجهة مع قوات الاحتلال، وأن الأمر لن يطول حتى تنتقل مجموعات المقاومة من مرحلة التصدي للقوات المتوغلة أو ضرب التحشدات، إلى مرحلة الإغارة على مراكز تجمع العدو ونقاط تمركزه حتى عند حدود القطاع مع أراضي الـ 48».
ولفت إلى أنه «في كل مرة يجري فيها التواصل مع المجموعات العاملة على الأرض، يتأكد لنا أن معنويات من هم داخل القطاع أعلى بكثير من معنويات من هم خارجه، وأن عائلات الشهداء أو الذين دُمرت مساكنهم وأرزاقهم، ويلمسون عمليات الإذلال اليومية بحق الناس، يرفضون أن تقبل المقاومة بأي اتفاق دون أثمان حقيقية توازي حجم التضحيات».
وخلص إلى أن «النكبة وقعت، والمجزرة حصلت، ولم يعد هناك من رادع يمنع المقاومة من مواصلة عملها، ومحاولة ابتزاز المقاومة بمصير الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو لم تعد تفلح، فالأسرى أنفسهم لا يريدون صفقة بأي ثمن، وهم يقدّمون مصلحة إيواء أبناء القطاع وإغاثتهم على حريتهم» وختم بأنه «في أي حال، فقد سمع العدو عبر قنوات عدة، وعبر الإعلام أيضاً، بأن الثمن المفترض به دفعه مقابل حرية الأسرى، سواء أكانوا أحياء أم ماتوا جميعاً، سيكون هو نفسه الثمن الذي تطالب به المقاومة اليوم».